الأسد خرج. لم يعد ذلك مجرد حديث في الكواليس، بل واقع سياسي فُرض على الأرض، وأُعلِن عنه بصيغة رسمية، مع إنتقال السلطة إلى رئيس جديد إسمه “أحمد الشرع”، في مشهد بدا هادئاً في ظاهره، لكنه يحمل إرتدادات قادمة في عمق الخريطة السورية.
تغيّر شكل المشهد السوري، لكن المضمون لا يزال معقّداً، ملتبساً، ومفتوحاً على إحتمالات أكبر من مجرد تغيير إسم في رأس السلطة.
لأكثر من عقد، تم إختزال الأزمة السورية بشخص بشار الأسد. في الخطاب، في الإعلام، وفي المعارك. كأنَّ المشكلة تبدأ به وتنتهي عنده. لكن اليوم، بعد أن هرب الأسد من المشهد السياسي، تتكشّف تعقيدات الواقع السوري التي ظلّت مؤجّلة لعقد من الزمن.
ولأكون صريحاً، كثيرون اعتقدوا أن خروج الأسد سيفتح الباب للحلول، لكنّ ما تكشّف حتى الآن يوحي بالعكس: أننا كنا نُقاتل صورة، بينما البُنية بقيت في مكانها.
في الشمال، قسد تطرح مشروعها السياسي بشكل مُعلَن، وتعتبره إطاراً لحل دائم قائم على اللامركزية، مدعومة بإسناد إقليمي ودولي، وتحرص على تقديم نفسها كشريك في مستقبل سوريا لا ككيان منفصل. وعلى الرغم من إتفاقها مع الحكومة السورية الجديدة على الإنخراط في المنظومة العسكرية الموحّدة، بدأت ترتفع أصوات من داخل دمشق تُهدد قسد وتتهمها بالسعي إلى الإنفصال تحت عناوين الفدرالية.
في المقابل، تركيا — التي تُعد أحد أقوى حلفاء أحمد الشرع — لا تُخفي موقفها، بل تُعلن بوضوح رفضها لأي صيغة فدرالية في سوريا، وتُواصل دعم جماعات مسلحة تنشط قرب الحدود وتقصف بين الحين والآخر مواقع حيوية، منها سد تشرين، في رسالة مفادها أن خريطة الشمال لن تُرسم بهدوء.
في الجنوب، لم يكتفِ الدروز برفع صوتهم دفاعاً عن خصوصيتهم السياسية والإجتماعية، بل دخلوا مرحلة الإشتباك المباشر مع الدولة السورية الجديدة. المواجهات التي إندلعت في جرمانا وأشرفية صحنايا لم تعد تُقرأ كمجرد توترات أمنية، بل باتت تعبيراً واضحاً عن تصدّع داخلي في مشهد ما بعد الأسد، وإنهيار توازنات كان يُعتقد أنها مستقرة.
واللافت أن إسرائيل لم تكتفِ بالمراقبة أو الدعم السياسي، بل قصفت القوات السورية الجديدة أكثر من مرة خلال هذه الإشتباكات، في مؤشّر على دخول الصراع مرحلة حساسة تتجاوز الداخل السوري، وتُعيد الجنوب إلى واجهة التصعيد الإقليمي من جديد.
وما يُقلق في كل هذا، أن الرسائل لا تُوجَّه لطرف واحد، بل توزَّع على أطراف عديدة، وكأن الجميع يقرأ نهاية مختلفة لنفس القصة.
وفي خضم هذه المواجهات، تداولت مصادر ميدانية وصحفية صوراً لعناصر من القوات الأمنية التي شاركت في قتال الشوارع ضد المسلحين الدروز في جرمانا وأشرفية صحنايا، وقد ظهرت على أذرع بعضهم شارة تعود لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش، تحديداً على الذراع الأيسر.
الصورة لم تُنكر رسمياً، ولم تُعلّق عليها الحكومة الجديدة، لكن مجرد إنتشارها في هذا التوقيت فتح باباً واسعاً للتساؤلات: هل نحن أمام إختراق داخل أجهزة الدولة؟ أم أمام رسائل مرمّزة من قوى ظلت حاضرة تحت الرماد؟
في كلتا الحالتين، بدا أن ما بعد الأسد ليس أكثر إستقراراً… بل أكثر غموضاً.
في الساحل، العلويون، الذين دفعوا ثمناً باهظاً في سنوات الحرب، لم يعودوا طرفاً صامتاً، بل بدأوا يُطالبون بضمانات تحفظ وجودهم وموقعهم.
وبين كل هذه القوى، تظهر طوائف ومناطق جديدة على الخريطة، لم تكن في المشهد السياسي سابقاً، لكنها ترى أن لحظة ما بعد الأسد، لحظة مناسبة للمطالبة بالتمثيل، أو حتى بالإستقلال في القرار.
في ظل هذه التحولات، تبدو سوريا مُقبلة على مرحلة تُعاد فيها صياغة النفوذ، والهوية، ومركز القرار.
لم يعد السؤال: من يحكم دمشق؟
بل: من يتحدث بإسم سوريا؟
ومن يملك مفاتيح وحدتها؟
ومن يُمسك بخيوطها في ظل هذا التعدد والتداخل؟
من إستطاع أن يُبعد الأسد، إن أراد فعلاً إستعادة سوريا، عليه أن يتعامل مع واقع جديد يتشكل على الأرض: قوى أمر واقع، ومشاريع متنافسة، وخطابات لم تعد تنطلق من دمشق وحدها.
المشهد لم ينتهِ بخروج الأسد، بل بدأ صراع التعريفات: من هو صاحب الشرعية؟ من يُمثل الدولة؟ ومن يتحدث بإسم الشعب؟
إنها ليست معركة مقعد شاغر، بل معركة سرديات متناقضة، ومشاريع مُتزاحمة، وذاكرة مثقلة بالدم والإنقسام.
في سوريا ما بعد الأسد، لا تُكافأ النوايا، بل تُختبر القدرة على قراءة الخريطة الجديدة… والتعامل معها دون أوهام.
وليس من عادة الخرائط أن تُهدي نفسها لأحد.
أنا خاون القرداغي، منذ أكثر من عقدين وأنا أُجري الحوارات مع السياسيين العرب والكورد، باللغتين العربية والكردية، أستمع لما يقولونه، وأقرأ ما لا يقولونه. واليوم… سوريا تقول الكثير، لكن بلغات مختلفة.
تحولت وسائل الاعلام الرسمي العراقي الى مجرد مؤسسات دعاية لرئيس مجلس الوزراء محمد السوداني، وتتزايد شكاوى وانتقادات أصحاب الرأي والكتاب من هيمنة اتجاه واحد على اعلام الدولة الذي تمثله شبكة الاعلام العراقي (قنوات العراقية، جريدة الصباح، وكالة الانباء....) بضغط من السوداني وحاشيته الذين لا يطيقون سماع أي صوت غير صوتي التطبيل والتزمير للمنجزات الوهمية.
لم يحدث منذ عام 2003 ان تعرض الاعلام العراقي، الرسمي وغير الرسمي الى حالة من الاستغلال الحكومي والمطاردة والقمع والاسكات والشراء كما يحدث اليوم، ويتجاهل السوداني وحاشيته ان الاعلام الرسمي هو اعلام الدولة وليس اعلام مجلس الوزراء، واعلام الدولة مكلف بالتغطية المتوازنة والعادلة لنشاطات الدولة وكذلك فسح المجال للأصوات الناقدة والمعارضة مادامت تتحرك ضمن الدستور والقوانين واللياقة الإعلامية، ويمنح مساحة كبيرة للمواطن لعرض مطالبه وانتقاداته واعتراضاته، لأن اعلام الدولة ممول من المال العام ويخضع لسلطة مجلس النواب.
لقد استحوذ السوداني على شبكة الاعلام العراقية بطرق غير دستورية ولا قانونية، ابتداء من تشكيل مجلس أمناء للشبكة بدون عرضه للتصويت في البرلمان ثم فرض لون معين من التوجهات واقصاء شخصيات وتوجهات بدرجة دفعت المواطن الى النفور من الاعلام الرسمي والبحث عن بدائل وهو ما يتسبب بهدر المال العام نتيجة الإدارة غير المهنية، وتضييع فرص التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين وكذلك تقديم صورة جيدة عن النظام السياسي العراقي الذي يسمح لجميع الأصوات بالظهور في الاعلام الرسمي بما يحقق أفضل صور التنوع والتعددية.
ان استيلاء السوداني على الاعلام الرسمي يعيد الى الاذهان صورة الاعلام البعثي الصدامي الذي تتصدر فيه صورة المسؤول واخباره صفحات الجرائد ونشرات الاخبار، وهو نموذج سيء يؤدي غالبا الى نتائج عكسية ومردودات سلبية ليس فقط على الحاكم وانما على موقف الشعب من الدولة ككل بعدما يصل الشعب الى قناعة ان الدولة مختزلة بشخص واحد لا يحقق نتائج جيدة في العمل ولا يتخذ القرارات الصائبة ومع ذلك يريد اقناع المواطنين بأن كل شيء بخير، حتى يندفع المطبلون وراءه الى تزييف الحقائق والعبث حتى بالسياقات المهنية لتحرير الخبر من اجل تضخيم كل ماهو صغير وبهرجة كل ما هو عادي ليتحول الكلام بديلا عن الأفعال والعمل الحقيقي.
لقد أفرغ السوداني شبكة الاعلام من دورها ومضمونها وسلبها ارادتها وافقدها جمهورها وهو يسعى اليوم بشتى الطرق للاستيلاء على الاعلام الخاص عبر الترغيب والتمويل واسكات وملاحقة المعترضين والمنتقدين وهذا دليل على الدكتاتورية والتفرد والنرجسية وحب الذات، وهي كلها صفات لا تنسجم مع النظام الديمقراطي ولا تليق بالحياة المعاصرة، ولذلك يجب إيقاف هذا المنهج التدميري لحرية التعبير.
منذ عام 2005، دخل العراق مرحلة جديدة بعد سنوات طويلة من الحروب والعقوبات والعزلة. كانت الانتخابات الأولى مشهداً استثنائياً: أصابع ملوّنة بالحبر، وجوه تملؤها الآمال، وشعور ثقيل بأن العراق يقف على أعتاب ولادة جديدة. كان التصويت آنذاك أكثر من مجرد إجراء ديمقراطي، كان إعلان حياة بعد الموت، وخطوة نحو استعادة الوطن من ركام الألم.
لكن السنوات اللاحقة أثبتت أن الانتخابات وحدها لا تكفي لتغيير مصير بلد معقد كالعراق. رغم تعاقب أربع دورات انتخابية، ورغم تغيّر الوجوه وتبدل التحالفات، إلا أن البنية العميقة للسلطة بقيت كما هي: شبكة مصالح متداخلة، محاصصة طائفية، وفساد مستشرٍ تحوّل مع الزمن إلى ثقافة أكثر منه حالة طارئة. الوجوه تغيرت مرات، الأحزاب انقسمت وتحالفت وانشقت، لكن نمط إدارة الدولة ظلَّ حبيس المحاصصة لا المحاسبة، ورد الفعل لا التخطيط، والمصالح الضيقة لا المصالح الوطنية.
من 2005 حتى اليوم، لم يحدث تغيير جوهري في طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة. بقيت الدولة بالنسبة للكثيرين مصدر وظائف وخدمات مشروطة بالولاءات، لا عقداً اجتماعياً يقوم على الحقوق والواجبات. بقي المواطن يشعر أنه متلقٍ للوعود لا صانع للقرار، مستهلكاً للسلطة لا شريكاً فيها. التعليم لم يتحسن بالشكل المطلوب، الاقتصاد ظل يعتمد على النفط بشكل مقلق، والقضاء لم يتمكن من فرض هيبته الكاملة على الحياة السياسية.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن شيئاً ما تغيّر في الوعي العام. صبر الناس على الواقع لم يعد كما كان، وحدّة النقد في الشارع العراقي أصبحت أعلى وأكثر وعياً. الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت بغداد ومدن الجنوب كانت إشارة على أن جيلًا جديدًا وُلد من رحم الخيبة، جيل لم يعش طويلاً في ظل الخوف مثلما عاش الآباء. جيل صار يعرف أن صناديق الاقتراع لا تكفي إذا لم تكن مصحوبة بثقافة محاسبة مستمرة، وبقناعة بأن الديمقراطية الحقيقية لا تبدأ ولا تنتهي بيوم التصويت، بل تمتد إلى كل يوم يعيش فيه المواطن حرّاً وكريماً.
التغيير الذي حدث في العراق منذ 2005 لم يكن بالسرعة ولا بالعمق الذي حلم به الناس، لكنه مع ذلك وضع بذرة الوعي الأولي الذي يكبر مع كل خيبة، ومع كل جولة انتخابية لم تحقق المأمول. العراق اليوم، رغم كل آلامه، مختلف عن عراق الأمس: أكثر وعياً بحقه، أشد رفضاً للاستغلال، وأقرب إلى الانفجار من أجل التغيير الحقيقي إذا استمر انسداد الأفق.
الطريق ما زال طويلاً، وربما مليئاً بالخيبات القادمة، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن العراقيين باتوا يعرفون الطريق، حتى لو تأخر الوصول.
أنا خاون القرداغي، وهذا ما استنتجته بعد سنوات من مراقبة المشهد الانتخابي العراقي
العلاقات العراقية السورية، علاقات إشكالية فيها أكثر من خلاف والكثير من الازمات المتراكمة مثلما فيها الكثير من الضرورات الدافعة للتعاون والتنسيق، لكن الأخطر انها علاقة لا تهم الجهات الحكومية في البلدين فقط، بل هي علاقات لها تداعيات مجتمعية في كل دولة على حدا، ولا مفر من الاعتراف بوجود انقسام شعبي وسياسي في العراق تجاه الحكم في سوريا قبل وبعد سقوط نظام بشار الأسد تصل الى حد الخلاف الطائفي عراقيا، وكذلك الخلاف بين أبناء الطائفة الواحدة.
إن علاقة بمثل هذا التعقيد، ومع التحول الكبير والسريع والصادم في سوريا بحاجة الى تعامل حكومي عراقي دقيق وشفاف، تعامل يقوم بالأساس على الوضوح والمشاركة والنقاش العام والسياسي وصولا الى تقريب وجهات النظر بين مختلف القوى للتوصل الى مخطط يحدد مسار العلاقة، ويكون موضع اجماع في الحد المقبول.
كان من الممكن ترسيم مسار العلاقة مع سوريا الجديدة عبر التداول والحوار بين الرئاسات الأربع (الجمهورية، مجلس الوزراء، البرلمان، القضاء) لتحديد موقف اولي يطرح على القوى السياسية تمهيدا للتوافق عليه، وهذه الخطوات سهلة وواضحة وهي استجابة لروح النظام السياسي وللنص الدستوري وللمصلحة العراقية العليا.
المؤسف ان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد السوداني تصرف بتفرد عال وعزلة تامة في إدارة هذا الملف بدون تداول حتى مع اقرب داعميه الذين كانوا في نفس الوقت يقاتلون في سوريا منذ سنوات ضد القوى التي امسكت اليوم بالسلطة في سوريا، مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وغيرهما، كما لم يتعامل مع هذا الملف الحساس عبر المؤسسات الدبلوماسية العراقية وباستخدام قنوات وزارة الخارجية، ما جعل تصرفاته موضع شك وريبة وتسببت باحراج الدولة العراقية واحراج السوداني نفسه شعبيا وسياسيا، ومن المؤلم ان يسمع العراقيون بمستوى اللوم والتقريع الذي وجهه الاطار التنسيقي للسوداني بعد لقائه الاعتباطي مع الرئيس السوري احمد الشرع.
لقد وضع السوداني كل ملفات الدولة العراقية ومصالحها العليا في جوف ماكنته الدعائية للانتخابات، وهو يعتقد انه قادر على احراج الإطار التنسيقي بوضعه امام الامر الواقع في خطواته الانفرادية مع سوريا كما يعتقد انه سوف يستميل القوى السنية مسبقا لدعم طموحه في البقاء بمنصبه والحصول على دعم قطري تركي، لكن اتضح ان وزن السوداني في العلاقات الدولية لا يساوي شيئا بدليل عدم احترام قطر وسوريا لسرية اللقاء وعرضه بطريقة فضائحية معيبة تمس سيادة وسمعة العراق وتظهر السوداني كفرد أعزل بلا منظومة دبلوماسية ومؤسسية يدير بها شؤون العراق.
خطوة السوداني الانفرادية أدت الى تأزيم وتلويث المناخ السياسي في العراق بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية ومن المتوقع ان تكون هذه الخطوة سببا في الانقسام وحتى التصعيد والتأزيم الأمني، وسيكون من الأفضل ان يعتذر السوداني عن خطوته غير المدروسة وعن تفرده وإنعزاليته ويتوقف عن السعي لولاية ثانية، وليتذكر السوداني ان شخصيات تاريخية مثل ونستون تشرشل قائد النصر البريطاني وهلموت كول موحد ألمانيا وقائد طفرتها الاقتصادية، خرجت من الحياة السياسية الى الابد بسبب أخطأ أصغر من فعلته هذه التي هي مجرد حلقة في سلسلة طويلة من اخطائه التي ارتكبها بسبب الغرور والتفرد.
يتم اليوم اضافة سنة جديدة لعمر الصحافة الكوردية، التي تبدأ بصدور الجريدة باللغة الكوردية، واصبحت مناسبة للإعلام الكوردي بأسره، بأدواته المختلفة. يجري في هذه المناسبة عرض الملاحظات والانتقادات كما هي معهودة، ويجري كذلك التقييم للوضع القائم، وبالنسبة لي، رأيت ان اقوم فقط بعرض التصورات النقدية لمشاكل الإعلام الكوردي نفسها، بل من اجل تحقيق إعلام مراقب وفعّال وحِرَفي في اقليم كوردستان، اقوم باقتراح هذه الخطوات، كعلاج مستقبلي لهذا الإعلام:
* العمل للتمييز بين السلطات الثلاثة (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، لأنه هو الشرط المسبق لتقوية هذا الإعلام (ولو كان على سبيل المجاز) في اي مجتمع ودولة.
* السعي للحيلولة دون وجود العوائق المختلفة امام العمل الصحفي (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الدينيّة، … إلخ).
* العمل على انشاء مؤسسة إعلامية وطنية في اقليم كوردستان، بناءاً على الركنين الاثنين (المهنية - الوطنية)، بنظرة معاصرة.
* تعديل ومراجعة البنود والفقرات التي تنظم قوانين العمل الصحفي في الإقليم، بحيث ينسجم مع روح العصر ومع الحياة الديمقراطية.
* يجب على محاكم الإقليم ان تعمل بموجب القوانين المتعلقة بهذا المجال من ناحية جرائم النشر، بدلاً من أن تلتجئ الى نصوص اخرى.
* العمل على خلق رابطة للتفاهم ولإيجاد علاقة مبنية على المسؤولية المشتركة لدى الطرفين، الاعلام والسلطة الحاكمة في كوردستان العراق.
* على الإعلاميون الموجودون في الاقليم أن يهتموا بجانب الأخلاقيات والمهنية، وأن يعملوا على تطوير مهنتهم، كما ان لإعداد (ميثاق الشرف الصحفي) تأثير خاص في حد ذاته.
* السعي نحو اصلاح المجال التنظيمي النقابي للصحفيين في كوردستان، وجعل (نقابة صحفيي كوردستان) مأوى لجميع الاتجاهات المختلفة الموجودة في فضاء الإعلام الكوردي في الاقليم، بحيث تتسع لجميع الأختلافات بأسرها واستيعابها.
* العمل على تطوير اقسام الاعلام الموجودة في جامعات ومعاهدات الإقليم، من جميع نواحيها.
* العمل على اقامة وتأسيس مركز الاستطلاع الرأي النشطة والعلمية بحيث يتم فيه الاستفسارات بصورة دائمة، من اجل جمع المعلومات الدقيقة وفي فترة مبكرة للغاية، حول تأثير الإعلام الكوردي على الرأي العام وعلى الشارع.
* ينبغي العمل على إنشاء مركز لبحث الإعلام ودراسته، فيقوم باحثوا هذا المجال بالبحوث القيمة والمهمة بصورة مستمرة حول الإعلام الكوردي.
* افتتاح مركز لترجمة البحوث والكتب النادرة في مجال الإعلام، هو احدى الضروريات الاخرى، لكي يستفيد منه صحفيوا الكورد، واولئك الذين لايجيدون الا لغتهم الأصلية (لغةٍ الأم) بشكل خاص.
* افتتاح دورات ضرورية للإعلام في خارج وداخل الإقليم.
* افتتاح الدورات لتعليم اللغات الأجنبية للإعلاميين.
حين تدخل منظمة مثل بوگواش إلى العراق، لا تدخل كضيف رسمي، ولا كمجرد جهة مهتمة بالسلام. تدخل كفكرة، كتجربة عمرها أكثر من نصف قرن، قررت أن تحمي العالم من أخطر ما اخترعه الإنسان: السلاح النووي.
بوگواش ليست مؤتمراً كلاسيكياً، ولا منظمة تنشط على الشاشات. هي هادئة مثل القلق، ومستمرة مثل الخوف من الانفجار الكبير. تأسست في لحظة ندم بعد الحرب العالمية الثانية، حين قرر بعض العلماء أن لا يكرّروا خطأهم. منذ ذلك الوقت، وهي تنسج حواراتها بصمت، بعيداً عن الكاميرات، وفي أماكن قد لا يتوقعها أحد.
أن تصل هذه المنظمة إلى السليمانية، هو بحد ذاته حدث. مدينة تعرف كيف تستقبل الحوار، وتعرف كيف تصغي. هذه ليست مجاملة للمدينة، بل توصيف حقيقي لطبيعتها. جامعات، مقاهي، صحف، جيل يقرأ أكثر مما يتكلم، ويستمع أكثر مما يتباهى. لذلك، كان من الطبيعي أن تبدأ بوگواش من هناك.
ما شدّني شخصياً في هذا المؤتمر، هو الحضور اللافت للدكتور حسين الشهرستاني. رجل يعرف تماماً معنى أن تقول “لا” في زمن الصمت. عالم نووي، رفض أن يكون أداة، ودفع ثمن ذلك. وجوده في مؤتمر مثل هذا، يعطيه عمقاً لا يمكن تجاهله. لأن الحديث عن نزع السلاح ليس مجرد نظرية بالنسبة له، بل قرار اتخذه منذ زمن بعيد، واستمر عليه.
الجميل في الأمر، أن اللقاء لم يتوقف في السليمانية. بل انتقل المشاركون إلى حلبجة. المدينة التي تعرف السلاح الكيمياوي عن قرب، تعرفه في الوجوه، وفي الذاكرة، وفي الحكايات التي لا تموت. أن تُطرح فكرة السلام في مدينة مجروحة مثل حلبجة، هذا ليس تنظيراً. هذه مواجهة صادقة بين من عاش الكارثة، ومن يريد أن يمنع تكرارها.
أنا لا أتوهم أن مؤتمراً مثل بوگواش سيمنع الحروب المقبلة، ولا أتصور أن النقاشات وحدها كافية. لكن ما يحدث هنا هو بداية مختلفة. بداية من العراق، من مدينة لم تعد تكتفي بأن تُذكر في التقارير الأمنية، بل تحاول أن تكتب سطرًا في التقارير الإنسانية.
السؤال ليس: هل ستتغير المنطقة؟ بل: هل ما زال هناك متسع للعقل في هذه الجغرافيا المعقدة؟
بوگواش جاءت لتقول: نعم… ولو بصوت منخفض.
أنا خاون القرداغي، وأكتب لأني أؤمن أن العقل، مهما خفت صوته، يبقى أقوى من كل الضجيج
مرة أخرى يثبت محمد السوداني قلة خبرته السياسية وانعدام كفاءته رغم السنوات الطويلة التي قضاها في قمة المسؤولية، اذ لم يكن لائقا به ولا بالعراق التنسيقي ان يسافر خلسة الى قطر للقاء احمد الشرع رئيس النظام الجديد في سوريا، ويخفي الحدث ليومين ليتفاجئ بصورة تبدو مختطفة وهو محاط بأمير قطر تميم وبالشرع.
هل تعرض السوداني لخدعة قطرية؟ ام ان اتباع قطر مثل خميس الخنجر وعوده بشيء فهرول لتحقيق طلبهم بلقاء الشرع، ليمنح الخنجر قطعة كبيرة من هيبة وسيادة العراق مثلما يمنحه الأراضي المميزة في قلب بغداد.
المؤكد ان السوداني هو من خدع نفسه كما يفعل كل مرة يعتقد فيها انه شخصية سياسية بارعة وقادر على القيام بادوار متميزة ولا يريد لأحد من القيادات السياسية ولا حتى من المسؤولين الحكوميين والدبلوماسين مشاركته فيما يعتبره نصرا وانجازا.
ان فتح أبواب الحوار والتنسيق وربما التعاون بين العراق وسوريا في عهدها الجديد أمر طبيعي ومتوقع مع الاخذ بنظر الاعتبار بعض التحوطات والملاحظات لكن العلاقات العراقية السورية خاصة، والعلاقات الخارجية بشكل عام ليست شأنا شخصيا ولا صفقة خاصة برئيس مجلس الوزراء ولا بأي سياسي، بل هي شأن الدولة العراقية ويجب ان تدار عبر القنوات الرسمية المختصة، وكل خطوة فيها مكشوفة للقوى السياسية والبرلمان وللرأي العام.
اعتقد السوداني ان فتح الطريق امام الشرع ونظامه عبر البوابة القطرية المتحالفة مع تركيا سيكون نصرا سياسيا شخصيا يستخدمه في حملته للبقاء في المنصب وهو يتوهم ان القوى السنية القريبة من قطر وتركيا سوف ترجح كفته، لكن هذه الحسابات خاطئة تماما، لكن هل يعرف السوداني ان الجميع تخلى عنه عندما تم تسريب صورته متلبسا بخرق سيادي ومحاصرا بين فكي تحالف دموي يكرهه العراقيون؟!.
لقد أساء السوداني لنفسه عندما تسلل خفية الى الدوحة وترك المبادرة للحكومة السورية كي تفضح اجتماعه وتنشر الصورة، كما اساء للعراق بهذا اللقاء، وعلى الاطار التنسيقي والبرلمان والرأي العام مساءلة السوداني عن استخفافه بالدولة العراقية وتجاهله للاجماع الوطني في القضايا الحساسة، بعدما كرر اللقاءات الفردية الخاطفة بالمسؤولين الأجانب خارج العراق، وكأنه يريد وضع الجميع امام الامر الواقع.
سيبقى السؤال يتكرر: هل من الطبيعي ان يسافر رئيس مجلس الوزراء لوحده ويعقد اجتماعا مع رئيسي دولتين دون علم مجلس الوزراء او وزارة الخارجية او السفارة العراقية في الدوحة؟!.
حتى في أعتى الدكتاتوريات، لا يقدم الحاكم على زيارة خارجية او لقاء مع مسؤول دولة أخرى بدون مشاورات ووفد مرافق وجدول اعمال.
سلوك السوداني خطير جدا لأنه يدلل على إمكانية اقدامه على أي خطوة مخالفة للأعراف السياسية والضوابط الإدارية والدستورية من أجل البقاء في السلطة.
يجب ان يتوقف هذا التهاون مع خروقات السوداني
في وقت تتأرجح فيه العملية السياسية بين الجمود والانتظار، اختار رئيس الجمهورية الدكتور عبد اللطيف رشيد أن يُبادر. لم ينتظر توازنات اللحظة، بل وجّه رسالة واضحة إلى السيد مقتدى الصدر، يدعوه فيها للعودة إلى الميدان الانتخابي، إيمانًا منه أن أي مشروع وطني سيكون ناقصًا دون حضور أحد أكبر التيارات الشعبية في البلاد.
الرسالة لم تكن فقط دعوة للمشاركة، بل كانت تعبيرًا عن حرص رئاسي دائم على لَمّ الشمل الوطني، وعلى فتح الأبواب لا غلقها، مهما اشتدت الخلافات وتباينت الرؤى.
وفي المقابل، جاء رد السيد مقتدى الصدر حاسمًا: “لن نشارك في انتخابات تُشرعن الفساد.” وهو موقف منسجم مع خط التيار الصدري الذي يرى أن الإصلاح لا يبدأ من صناديق اقتراع محكومة بصفقات ما قبل التصويت، بل من بنية سياسية جديدة.
لكن خلف هذا السجال العلني، ثمة مؤشرات لا يمكن تجاهلها: نشاط غير معلن داخل التيار، تحركات تنظيمية، وتحديث لبيانات بعض قواعده. كل ذلك يُوحي أن الباب لم يُغلق تمامًا… وأن هناك من يراقب المشهد، ويُعيد حساباته.
هل كانت رسالة الرئيس استباقية؟ أم محاولة جادة لإعادة التوازن؟
ما نعرفه أن رئيس الجمهورية، بخبرته الطويلة، يدرك أن العراق لا يُبنى بالإقصاء، بل بالحوار… وأن القوة تكمن في جمع المختلفين لا إقصائهم.
وما نراه من جانب السيد الصدر هو تمسّك برؤية إصلاحية جذرية، لا تقبل أن تُستعمل كغطاء لممارسات تُناقض ما خرج من أجله جمهور تشرين وكل من آمن بالتغيير.
إنها ليست مواجهة، بل مشهد من مشاهد العقلاء في زمن الانقسام.
أنا خاون القرداغي، أقرأ المواقف كما هي،
وأكتبها كما يفكر بها جمهور لا تُخدعه الشعارات…
والباقي… يقرره الزمن الانتخابي.
في الحكم والامثلة والاقوال والشعر غالباً ما يتم طمس تمييز حاسم بشكل مأساوي: الفرق بين الجهل والغباء. لذا، لأولئك الذين يعانون من هذه المعضلة الفلسفية المعقدة، اسمحوا لي ان انير الطريق الى التنوير (أو على الأقل لفهم معتدل).
الجهل ببساطة هو نقص في المعرفة. انت لا تعرف شيئاً ما. ربما لم تتح لك الفرصة لتعلمه ابداً. ربما كانت المعلومات مخفية في مجلد مغبر في مكتبة منسية (او غير متاحة بسهولة على الويكيبيديا). الأمر يشبه عدم معرفة كيفية التحدث باللغة السنسكريتية. هذا لا يجعلك سيئاً، فقط… لديك تحدي في اللغة السنسكريتية. الجهل قابل للشفاء. يمكن علاجه بالكتب او الأفلام الوثائقية او بحث جيد على غوغل، او حتى محادثة مع شخص يعرف بالفعل عما يتحدث.
والجهل هو عكس الذكاء، بصورة عامة. فالذكاء يرتبط بالقدرة على التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعلم من التجارب. بينما الجهل هو غياب هذه القدرات، مما يجعل الشخص غير قادر على فهم العالم من حوله او التفاعل معه بشكل فعال. فالشخص الجاهل يفتقر الى الأدوات المعرفية التي تمكنه من تحليل المعلومات وتقييمها واتخاذ قرارات مستنيرة.
اما الغباء فلا يتعلق بنقص المعلومات وانما يتعلق بالحصول على المعلومات، حتى بعد أن يتم دفعها مباشرة الى مقل عينيك، ثم الشروع في "اتخاذ قرارات غير صحيحة". الأمر يشبه ان تكون متحدثاً بطلاقة للغة السنسكريتية ثم تستخدمها للخطابة كما يفعل بعض قادة العراق الميامين. بالتأكيد، يمكنك فعل ذلك، ولكن… لماذا؟ الغباء وحش عنيد. انه مقاوم للحقائق والمنطق وحتى الحس السليم. انه يزدهر بالمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة والايمان الراسخ بأن رأي المرء المعيب بشدة يعادل بطريقة ما الحقيقة القابلة للتحقق.
هل الغباء عكس الذكاء؟ يمكن القول ان الذكاء هو العكس الأكثر شمولاً للغباء، حيث يشمل مجموعة واسعة من القدرات المعرفية والعقلية التي تمكن الشخص من فهم العالم والتفاعل معه بفعالية. ولكن، من المهم ايضا ان نأخذ في الاعتبار المفاهيم الأخرى مثل الفطنة والحكمة والوعي والتعقل، حيث انها تمثل جوانب مختلفة من القدرات العقلية التي تتناقض مع جوانب مختلفة من الغباء.
بأختصار، الذكاء هو القدرة على الفهم السريع والتفكير المنطقي وحل المشكلات والتكيف مع المواقف الجديدة. اما الجهل فهو نقص المعرفة او عدم الالمام بالحقائق. بينما الغباء هو نقص في الفهم والإدراك مع احتمال وجود معرفة ولكن عدم القدرة على تطبيقها بشكل صحيح او اتخاذ قرارات منطقية.
هذه بعض الأمثلة البسيطة للفرق بين الجهل والغباء، وأرحب بمشاركتكم بأمثلة أخرى:
الجهل:
عدم معرفة عدد الأحزاب السياسية المتنافسة في الانتخابات (لأن العدد كبير جدا لدرجة النسيان).
الاعتقاد بأن "القضاء على الفساد" هي خطة حكومية.
عدم التمييز بين تصريح مسؤول حكومي وبين نكتة سمجة.
السؤال عن مكان الاختناقات المرورية في يوم العطلة الرسمية (وكأنها اختفت تماما).
عدم فهم أسباب انقطاء الكهرباء وارتفاع اسعار المواد الغذائية بشكل مستمر.
الاعتقاد بأن المسؤولين الحكوميين جادون في "مكافحة الفساد".
الظن بأن بناء مجّسر آخر سيحل مشكلة الازدحام.
عدم فهم ان الشعب ينتظر حلولا جذرية وليس مجرد "مسكنات مؤقتة" للأزمات.
عدم فهم ان الأمن الحقيقي لا يتحقق بالمليشيات وقوات الامن، بل ببناء دولة قانون عادلة.
عدم معرفة ان ثروات البلاد يجب ان تستغل لخدمة الشعب وليس لتمويل النخب الفاسدة.
الغباء:
انتظار تحسن خدمات الكهرباء دون وجود أي مؤشرات حقيقية لذلك منذ عقود.
التصويت لنفس الوجوه السياسية التي وعدت بالاصلاح في الانتخابات السابقة وفشلت.
تصديق الوعود الانتخابية.
الاحتفال بوضع حجر الأساس لمشروع ستنهب الاموال المخصصة له.
القاء اللوم على "الأصابع الخارجية" في كل مشكلة داخلية، وكأن القوى السياسية الداخلية لا دور لها فيه.
تجاهل التقارير الدولية التي تشير الى مستويات الفساد القياسية، والادعاء بأن "الأوضاع تتحسن".
الاستمرار في اطلاق نفس الوعود والتصريحات في كل مناسبة وكأن الذاكرة العراقية قصيرة جدا.
محاولة تبرير القرارات الخاطئة بمنطق أعوج لا يقنع حتى الأطفال.
تبني سياسات طائفية وعرقية تزيد من الانقسام والكراهية بين مكونات الشعب.
لذا، في المرة القادمة التي تصادف فيها شخصاً يبدو… أقل من مستنير، توقف لحظة للتفكير في التمييز. هل هو ببساطة يفتقر الى المعلومات؟ ام انه يرفضها بنشاط لصالح وهمه المصمم بدقة؟ لأنه في حين يمكن اصلاح الجهل بالتعليم، فأن للغباء قصة مختلفة تماماً. غالباً ما يتطلب بدلة واقية وجرعة كبيرة جداً من الصبر. أو، كما تعلم، مجرد الابتعاد. هذا ينفع ايضاً. ربما أفضل، في الواقع.
للمرة الرابعة منذ توليه رئاسة الوزراء، وصل محمد شياع السوداني إلى أربيل في زيارة لا تبدو عابرة في مضمونها، خصوصاً أنها جاءت بعد سلسلة تحركات سياسية لافتة شهدتها بغداد، كان أبرزها زيارة زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، السيد بافل طالباني، الذي التقى قبل يومين رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إضافة إلى رئيس تحالف عزم مثنى السامرائي.
هذا التتابع في الزيارات والاجتماعات ليس مصادفة زمنية، بل يعكس إيقاعاً سياسياً مدروساً يُراد من خلاله إعادة ترتيب خطوط التفاهم بين بغداد وأطراف البيت الكردي، استعداداً لمرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في 11 تشرين الثاني 2025.
زيارة بافل طالباني إلى بغداد لم تكن بروتوكولية بقدر ما كانت رسالة واضحة بأن الاتحاد الوطني الكردستاني حاضر في قلب المعادلة الوطنية. يتحرك بافل بثقة كأحد أركان المعادلة الوطنية، واضعاً الاتحاد الوطني في موقعه الطبيعي ضمن مراكز التأثير. أما لقاءاته مع المالكي والعامري والسامرائي، فتُقرأ ضمن سياق أوسع من محاولات تقريب وجهات النظر مع القوى السياسية المؤثرة، سواء في الحكومة أو في البرلمان. في حين أن لقاءه مع رئيس الوزراء السوداني يحمل دلالات خاصة، إذ يندرج ضمن مسار التنسيق المتقدم بين الاتحاد الوطني والحكومة الاتحادية، لا سيما في ظل التحديات الإقليمية والدستورية القائمة.
وفي هذا المناخ السياسي، جاءت زيارة السوداني إلى أربيل لتكمل المشهد. فلقاءاته مع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني، وشخصيات أخرى فاعلة في الإقليم، تؤكد أن الحكومة الاتحادية تتعامل مع كردستان كشريك متعدد الرؤى موحد في الثوابت الوطنية، وأن هناك رغبة حقيقية في تجاوز الملفات العالقة بروح الحوار لا عبر أساليب الضغط.
السوداني، الذي يحاول تثبيت معادلة الاستقرار السياسي من خلال التوازن في العلاقة مع مختلف القوى، يبدو حريصاً على أن لا يُستدرج إلى اصطفافات ضيقة، بل يتحرك باتجاه تهدئة العواصف قبل أن تشتد. فهو يعرف أن التفاهم مع أربيل لا يكتمل دون السليمانية، وأن بناء حكومة قوية بعد الانتخابات لا يمكن أن يتم دون تفاهمات متينة مع القيادات الكردية.
من جانبها، تظهر القيادة الكردية بموقف وطني واضح، مدركة لحساسية المرحلة، ومتمسكة بحقوقها الدستورية دون أن تتخلى عن دورها في حفظ استقرار الدولة. وبذلك، تعيد القوى الكردية تثبيت مكانتها كفاعل رئيسي، لا فقط في قضايا الإقليم، بل في مستقبل العراق السياسي بأكمله.
ما يُقرأ بين السطور أن ما يجري اليوم ليس ترتيباً آنياً، بل بداية مشاورات جدية لتحالفات تمتد إلى ما بعد يوم الاقتراع. وبهدوء محسوب، تتحرك بغداد والسليمانية وأربيل نحو تفاهمات تُبنى على أساس الاحترام والتوازن، في مشهد يعكس وعياً سياسياً متقدماً، وقراءة دقيقة لمعادلات الداخل والخارج.
زيارة السوداني إلى أربيل إذن، لا تنفصل عن زيارة بافل طالباني إلى بغداد، بل تكملها. كلاهما يتحركان داخل دائرة تفاهم أكبر، ترسم ملامح مرحلة سياسية جديدة، قد تبدأ في صندوق الاقتراع، لكنها لا تكتمل إلا على طاولة الحوار.
أنا خاون القرداغي، وهذا ما قرأته بين السطور… والباقي ترويه الأيام.
لا أريد أن أغتنم هذه الفرصة القليلة وأزعاجكم بإعادة ما تعوّدنا على ذكره فيما يتعلق بالقتل الجماعي للكورد، ولا أريد كذلك أن أثير مشاعركم في الذكرى السنوية لهذه الجريمة الكبيرة البشعة، بل ما أريده هو عرض بعض الحقائق المريرة فقط.
بعد مرور ٣٧ عاما على عمليات الأنفال والقتل الجماعي والإبادة العرقية للكورد، وبعد مرور ٣٤ عاما من الحرية ومن الحكم الكوردي طوال هذا التأريخ، مازلنا عاجزين عن أن نكون في مستوى الجريمة.. وذلك لأنه:
- لم يتم تعريف الأنفال بالجينوسايد على مستوى العالم! (ولابد من أن يكون التعريف للإطلاع على القضية بشكل رسمي والإعتراف بها وتحمل مسؤوليتها، والحيلولة دون إعادتها)، والمسؤولية الأولى تقع على عاتق حكومة إقليم كوردستان.
- لم يقم الخطاب السياسي الكوردي بالعمل الجدي في سبيل تكوين فهم منطقي بحيث يخدم الإدراك الحقيقي للجريمة، بقدر ما إتسم بالإلتجاء الى البكاء والتوسل وجذب عواطف العالم.
- لم تقم حكومة الإقليم والاحزاب الكوردية، بتقديم المستشارين والعملاء المجرومين (جحش) الذين شاركوا مع نظام البعث في عملية الأنفال، بل على العكس تم ايواءهم بدلاً من العقاب!
- بالنسبة للمناطق التي شملتها حملات الأنفال المختلفة ، لم يصل اليها الخدمات الضرورية ولم يتم توفير حياة كريمة ولائقة بهم، وتظهر في سيماهم آثار الخراب والنكبة.
- مازالت وضعية الأفراد الناجين من الأنفال سيئة للغاية ويحتاج أهالي المؤنفلين الى المساعدات والمعونات أكثر، ماديا ومعنويا ونفسيا.
- ومن الناحية الأكاديمية والعلمية، لم يتم لحد الآن العمل على إجراء الأبحاث العلمية والمتابعات الميدانية الجادة للمؤنفلين والأبعاد المختلفة في قضية الأنفال.
- فيما يتعلق بالجانب التربوي، لم يجر التعريف الكافي للجريمة للأجيال الكورد اللاحقة ، ولم يتم القيام بالخطوات الضرورية في هذا المجال ولم يقم بالدور الحقيقي له.
- وفي المجال الفني والثقافي لم يتمكنوا من القيام بدور ممثل حضاري لإيصال الواقع المرير لتلك الأيام، بحيث يتعرّف العالم على الكورد وقضيتهم والكوارث التي عانوها من خلال عرض الأعمال السينمائية والدرامية والأدبية الرائعة.
- لم يتمكن الإعلام الكوردي لحد الآن من القيام بعمل جدي عن هذه القضية المهمة والحساسة، من خلال تقديم التقارير والبحوث والمواثيق وغيرها من الاسباب من أجل الاحتفاظ بهذه الجريمة الكبيرة في ذاكرة الأجيال الكوردية المتعاقبة.
على الرغم من عقود من العداء الظاهري بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، لم تتخذ واشنطن في أي مرحلة خطوات حاسمة تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني بشكل كامل، سواء عسكريًا أو من خلال دعم ثورة داخلية. وهذا يطرح سؤالًا أساسيًا:
هل إسقاط النظام الإيراني يخدم بالفعل المصالح الأمريكية؟
الجواب، ببساطة، معقّد. فالمعادلة الأمريكية تجاه طهران ليست ثنائية “عدو/صديق”، بل قائمة على منطق “الردع دون الانهيار”، و”الاحتواء دون التفكك”.
1. إيران كعامل توازن إقليمي
رغم الخطاب العدائي، لعب النظام الإيراني دورًا موضوعيًا في ضبط ميزان القوى في الشرق الأوسط، خصوصًا في وجه خصوم واشنطن الإقليميين.
• طهران ساهمت، دون قصد، في إضعاف العراق بعد 2003 عبر دعم ميليشيات طائفية مزقت النسيج الاجتماعي والسياسي.
• وجودها العسكري غير المباشر في سوريا ولبنان واليمن، شكّل غطاءً مبررًا لتوسيع النفوذ الأمريكي والإسرائيلي.
الخلاصة: استمرار إيران في وضعها الحالي يبرر بقاء القواعد الأمريكية، وتعميق علاقاتها الأمنية مع دول الخليج، دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.
2. الفوضى بعد السقوط… أسوأ من الوضع القائم
إسقاط النظام الإيراني يعني فراغًا سياسيًا في دولة يبلغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة، بمكونات إثنية ومذهبية معقدة (فرس، عرب، كورد، بلوش، تركمان…).
• أي انهيار مفاجئ قد يؤدي إلى حرب أهلية، تقسيم فعلي، صعود ميليشيات متطرفة، أو حتى سيطرة جماعات جهادية.
• هذا السيناريو يُعد كارثيًا للمنطقة، ويفتح الباب أمام روسيا أو الصين أو حتى داعش وأذرع القاعدة لاستغلال الفوضى.
الخلاصة: إسقاط النظام دون بديل جاهز ومستقر، سيخلق أزمة إقليمية تتجاوز حدود إيران.
3. البرنامج النووي كأداة تفاوض لا ذريعة حرب
الولايات المتحدة تراقب الملف النووي الإيراني كأداة ضغط لا كخط أحمر يستوجب الحرب.
• تم استخدام هذا الملف لتعزيز العقوبات الاقتصادية، وتحقيق تنازلات في ملفات إقليمية.
• حتى في أقصى لحظات التصعيد، لم تُفعّل واشنطن خيار “الضربة الشاملة”، ما يعني أن الردع النووي متبادل ومفهوم.
الخلاصة: واشنطن لا تريد حربًا شاملة، بل اتفاقًا طويل الأمد يضمن استقرار المصالح الحيوية دون تغيير النظام.
4. واشنطن بحاجة لعدو دائم
استمرار النظام الإيراني بشكله الحالي يخدم سردية “العدو الثابت”، التي تحتاجها الولايات المتحدة:
• لتبرير صفقات السلاح مع الخليج.
• لبناء تحالفات أمنية جديدة (مثل اتفاقات التطبيع).
• لإبقاء إسرائيل ضمن سياق “محاصر ومُهدد” يعطيها غطاءً دوليًا واسعًا.
الخلاصة: النظام الإيراني، رغم عدائه، يلعب دور “العدو المحسوب” الذي لا يجب إزالته تمامًا.
5. ما هي خطوط واشنطن الحمراء؟
رغم عدم سعيها لإسقاط النظام، هناك ثلاثة خطوط حمراء تتعامل معها الولايات المتحدة بجدية:
1. تخصيب اليورانيوم لمستوى تسليحي فعلي.
2. استهداف مباشر للمصالح الأمريكية في الخليج أو العراق أو إسرائيل.
3. نقل تكنولوجيا نووية أو صاروخية إلى جهات غير دولية (مثل الحوثيين أو حزب الله).
ما دون ذلك، يبقى ضمن نطاق “الاحتواء المدروس”.
الاستنتاج النهائي:
الولايات المتحدة لا تسعى حاليًا لإسقاط النظام الإيراني، ولا تعتبر ذلك خيارًا يخدم مصالحها طويلة الأمد.
بل تفضّل إدارة الصراع معه ضمن قواعد ثابتة تسمح لها بفرض نفوذها، وتوظيف التهديد الإيراني كأداة لتعزيز مواقعها الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة.
إيران الحالية… خطر مضبوط، لا ينبغي كسره بالكامل.
أنا خاون القرداغي وهذا تحليل سياسي بحت لا يدعو لأي موقف، وإنما يقرأ المشهد كما هو وهذا جل ما أعرفه حالياً في عالم السياسة
دأبت بعض الابواق المأجورة ومن بينهم أعضاء في مجلس النواب، في الاونة الاخيرة، على الخروج من إسلوب الكياسة واللياقة في أحاديثهم وتصريحاتهم، بحيث تجاوزوا كل الحدود وخاصة فيما يتعلق برئاسة الجمهورية، حتى وصل بهم الأمر الى التجاوز على رمز الدولة و التطاول على حامي دستورها.
حتى وصلت بهم الصلافة، الى السخرية من رئاسة الجمهورية والتشهير بها والأستهزاء وبإسلوب سوقي من المستشارين المتخصصين، دون مراعاة للعمل المؤسساتي واسلوب العمل البرلماني والتبعات القانونية المترتبة عليها.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، بدأ البعض بعرض بضاعته العفنة في سوق النخاسة، و أخذوا على عاتقهم مهاجمة رئاسة الجمهورية ونشر الأكاذيب والافتراءات ضدها دون وجه حق و دون الرجوع الى السياقات القانونية والاصولية، وخاصة أن أبواب رئاسة الجمهورية مفتوحة، لأي استفسار أو توضيح حول جميع المسائل.
فلمصحة من نشر هذه الافتراءات؟ وما الهدف منها؟ ومن يقف ورائها؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟
لماذا لا يركزون على مظاهر الفساد وسرقة مليارات الدولارات وهدر الاموال والمشاريع الوهمية التي تستنزف ميزانية الدولة وتثقل كاهل المواطنين.
ولماذا يتجاهلون مسؤولية رئيس الوزراء ولا يستجوبونه عن الفساد المستشري في أركان الحكومة، أم أنهم يكيلون بمكيالين ودون وازع من ضمير.
انني أكاد أجزم بأن هذه الحملات ممنهجة ومخطط لها ومدعومة من جهات اخرى، لا تريد الخير للبلد وهي تنطلق من دوافع عنصرية مدفوعة الثمن.
لذلك من حق رئاسة الجمهورية، عدم السكوت عن تلك التجاوزات وحملات التشهير و ملاحقة المطبلين وأمثالهم قانونيا و تقديمهم الى العدالة، ووضع حد لظاهرة استغلال المناصب للتهجم على رموز الدولة، و لا يجني الحاقدون والعنصريون غير الخيبة والعار.
مع اقتراب موعد الانتخابات تتزايد الهجمات الإعلامية المفتعلة التي تستهدف رئيس الجمهورية، ونقول مفتعلة لأنها لا تستند الى خلل او تقصير بل تتحرك بتأثير ثلاثة دوافع، الأول هو التزاحم على المنصب مع دنو موعد نهاية الدورة البرلمانية، فهناك طامعون كثر بمنصب رئيس الجمهورية ولكنهم غير قادرين على الإعلان عن رغبتهم الآن ويفضلون مهاجمة رئيس الجمهورية الحالي عبداللطيف رشيد ظنا منهم انه سوف يترشح لدورة ثانية.
اما الدافع الثاني، فهو التحريض العنصري والطائفي، فهناك من يرى ان الكرد يشغلون منصب الرئاسة بغير وجه حق اعتقادا منهم ان الرئاسة اما يجب ان تذهب للقومية العربية او للاغلبية الشيعية، وهذا اعتقاد يجب التصدي له بقوة ورفضه لأنه قائم على التمييز العنصري المرفوض وأيضا لأنه يهدد التعددية العراقية التي تنعكس في توزيع الرئاسات لضمان الاستقرار والسلم الأهلي وتحقيق التنوع وردع التفرد.
بينما الدافع الثالث فيتمثل بغضب البعض من الأداء الإيجابي الذي يقوم به الرئيس رشيد ويعتبرونه فعالا أكثر مما يريدون، وهو أداء محكوم بالدستور والالتزام بالواجب السياسي والوطني، الرئيس يقوم بواجباته البروتكولية والتشريفية والسياسية خير قيام ولم يتأخر او يتعطل عن القيام بأي منها، وقد مثل العراق في كثير من المناسبات والمحافل الدولية وزار الكثير من المحافظات العراقية وتفاعل مع الجامعات والوجهاء والمجتمع المدني واستمع الى شكاوى المسؤولين التنفيذيين والتزم بالدفاع عن حقوق جميع المحافظات العراقية ويجتمع مع الوزراء ويتعاطى مع كل التفاصيل الخاصة بالسياسة الخارجية ويقوم بأدوار دبلوماسية ليس من الضروري اطلاع الاعلام عليها، وهو ما يزعج هذا البعض الذي يرفض تفعيل الوضع الدستوري لرئيس الجمهورية كجزء من السلطة التنفيذية، وهي القضية التي أثارها الراحل مام جلال عندما كان رئيسا لجمهورية العراق.
الذين يستهدفون رئيس الجمهورية يعتمدون على فكرة سيئة ومشوشة عن صلاحيات وحدود المنصب، مستغلين الجهل الشائع بالدستور حتى بين المتعلمين وبعض الإعلاميين والدعاية البعثية المتواصلة والتي تقدم رئيس الجمهورية بنموذج صدام حسين، يشعل الحروب ويعدم المعارضين ويهجر المواطنين ويلقي الخطابات الجوفاء الطويلة ويضحك بدون مناسبة ويدعي العبقرية وكل مواهب الأرض ويقطع لسان من ينتقده!! وهذا الجهل يستغله المبتزون الذين يشعرون بالغضب لأن رئاسة الجمهورية لا تدفع أموالا لإسكات أحد.
الحقيقة ان منصب رئيس الجمهورية في العراق هو موقع ضامن للدولة والدستور، وهو نموذج متقدم معتمد في كثير الدول، سواء بمنصب الرئيس مثل الهند وألمانيا والبرتغال واليونان وعشرات الدول او الملك في بريطانيا وهولندا السويد وعشرات الدول الأخرى، إذ ليس من حق الرئيس ولا واجبه التدخل في ادق التفاصيل اليومية لكنه ملزم بموقف في القضايا العامة، مثل خرق الدستور، الالتزام بالمواعيد الديمقراطية، تحقيق المساواة، اعلان الحرب، غياب او فقدان رئيس الوزراء، المصادقة على الإعدام ألخ من القضايا الحاسمة، وفي العراق من حقه الطلب بسحب الثقة من الحكومة وله حق تكليف من يشكل الحكومة، وهنا مربط الخيل!!.
يستخدم مهاجمو الرئاسة وسائل التواصل السطحية ومدونيها الانتهازيين الذين يبيعون حساباتهم وألسنتهم بأثمان زهيدة، وليس لديهم غير سؤال واحد استهزائي رخيص مفتعل "هل تعرف الرئيس؟" طبعا يختار المدون من يجهل او يحرض بعضهم على إجابات ساخرة، لكن ماذا لو لم يعرفوا الرئيس؟ هل يعرف هؤلاء المدونون ومن يظهر معهم أسماء الأشخاص المسؤولين عن غرق بيوتهم بمياه المجاري؟ هل التقوا بهم؟ هل يعرفون المسؤول عن توفير الحصة التموينية لهم مثلا؟ هل التقوا به؟ هل اختاروه؟ هل حاسبوه؟ هل يعرفون المسؤولين عن غياب الكهرباء؟ هل يستطيعون انتقادهم؟ هل ينتقدون ويحاسبون من يعرقل حياتهم ويغرقهم بالازدحامات ويحبسهم في بيوتهم الصغيرة؟.
ان التعصب العنصري والطائفي والرغبة في اضعاف الدولة وخرق الدستور وفرض السلاح المنفلت والحلم بالعودة الى التفرد والطغيان هو ما يدفع الى مهاجمة أي رئيس جمهورية منذ 2003، فهؤلاء يحلمون بعودة الحاكم المتفرد بثياب جديدة عبر القفز على التوصيفات الدستورية مستغلين المال العام الذي وضع امانة بين يديهم في تسويق انفسهم ومهاجمة كل من يريد فرض سيادة الدستور وكذلك لابعاد الرأي العام الغاضب عن المتسببين الحقيقيين بمشاكل وأزمات البلاد عبر وسائل مبتذلة لا تليق بالقادة والمسؤولين السياسيين او بمن يريد ان يحمل صفة زعيم.
في عالم يسوده هاجس التميز والمقارنة، تبرز التصنيفات الجامعية العالمية كبوصلة توجه الطلاب وأولياء الأمور في رحلة البحث عن أفضل مؤسسة تعليمية، وتساهم في تحديد السياسات التعليمية لبعض الدول، كما استخدمت نتائجها دول للتباهي بجودة جامعاتها.
هذه التصنيفات، التي تتصدر عناوين الأخبار وتثير نقاشات واسعة، تعد بمثابة دليل شامل لجودة التعليم العالي. لكن، هل حقًا تقدم هذه التصنيفات صورة دقيقة وواقعية عن جودة التعليم؟ هل تعكس حقًا التفوق الأكاديمي والبحثي، أم أنها مجرد مسرحية وهمية بمعايير مضللة وتقييمات مغلوطة؟ هل يمكن الاعتماد عليها كمرجع نهائي في اختيار الجامعة المناسبة، أم أنها مجرد أداة تسويقية تروّج لبعض المؤسسات على حساب أخرى؟
دعونا نسلط الضوء على بعض أوجه الخلل وعدم كفاءة وعقلانية هذه التصنيفات:
معايير مضللة:
تعتمد التصنيفات بشكل كبير على مؤشرات محدودة، لا تعكس بالضرورة جودة التعليم بشكل شامل. على سبيل المثال، تركز على عدد الأبحاث المنشورة في المجلات عالية التأثير، ومنها البحوث المسروقة، دون الأخذ بعين الاعتبار جودة التدريس وفعالية التعلم ورضا الطلاب. هذا التركيز المفرط على الأبحاث يخلق حلقة مفرغة، حيث تسعى الجامعات إلى زيادة عدد المنشورات على حساب الجودة. يجب أن تتضمن المعايير مؤشرات أكثر شمولًا مثل الكفاءة الأكاديمية، وشمولية المناهج وتميزها، وتنوع أساليب التدريس، ومعايير القبول، ومعدلات التخرج، ونسبة توظيف الخريجين، وتقييمات الطلاب لجودة التدريس.
تلاعب بالمعلومات:
لا توفر كثير من الجامعات معلومات صحيحة، ويتم فيها إضافة أو حذف على حسب «مهارة» الجامعة في تضليل المعلومات. وقد ظهر في مرات عديدة، وبصورة جلية تجريف للمعلومات مما اضطر مؤسسات التصنيف إلى تغيير ترتيب الجامعة. ومع أنه، بالإضافة إلى البيانات المقدَّمة من الجامعات، تعتمد مؤسسات التصنيف أيضًا على مصادر خارجية، مثل قواعد البيانات العلمية (مثل Scopus وWeb of Science) واستطلاعات الرأي بين الأكاديميين، وأصحاب العمل، والتي تساعد في التحقق من صحة البيانات المقدمة من الجامعات، وتوفير رؤية أكثر شمولًا لأدائها، إلا أنه يجب أن تكون هناك آليات أكثر صرامة، للتحقق من صحة البيانات المقدَّمة من الجامعات. ويجب على مؤسسات التصنيف أن تتعاون مع جهات خارجية مستقلة للتدقيق في هذه البيانات.
محدودية عدد الجامعات المشاركة:
مؤسسات التصنيفات لا تصنِّف إلا الجامعات المشاركة، لذا فإنها لا تضم في تصنيفاتها إلا عددًا محدودًا من الجامعات، والتي لا تمثل أكثر من 5% من مجموع الجامعات العالمية، فهناك العديد من الجامعات في العالم التي لا تشارك في هذه التصنيفات، إما لأنها لا ترغب في ذلك، أو لأنها لا تستطيع توفير البيانات المطلوبة، أو لأنها لا تستوفي معايير التصنيف.
وهذا يعني أن التصنيفات العالمية لا تعكس بالضرورة مستوى الجامعة العالمي، أو جودة الجامعة في العالم، بل فقط بين الجامعات التي اختارت المشاركة. وتُظهر هذه النسبة المنخفضة نقص الاهتمام العالمي بالتصنيفات. ويعكس عدد الجامعات المشاركة من أية دولة اهتمام تلك الدولة وجامعاتها بالمشاركة. على سبيل المثال تضم إحدى التصنيفات 46 جامعة فقط من أصل 3982 جامعة أمريكية (بنسبة 1.2%) وهذا يثير تساؤلات حول مدى تمثيل هذه التصنيفات للواقع الفعلي للتعليم العالي في العالم.
تقييمات مغلوطة:
تغفل التصنيفات دور العوامل الخارجية، مثل حجم الجامعة، وثرائها المادي في التاثير على نتائجها، مما يضفي مظهرًا زائفًا على تميز بعض الجامعات على حساب أخرى. ويبدو أن الجامعات ذات الموارد الأكبر لديها ميزة واضحة في إجراء الأبحاث، وجذب عناصر أفضل من أعضاء هيئة التدريس. من دون أن تأخذ التصنيفات في الاعتبار هذه العوامل الخارجية عند تقييم الجامعات فإنها تبقى متحيزة.
مسرحية وهمية:
تصبح الجامعات منساقة وراء لعبة التصنيفات، مركزة جهودها على تحسين مؤشراتها المصطنعة بدلًا من التركيز على جوهر العملية التعليمية، وتطوير تجربة الطلاب. وهذا يحرف الهدف الحقيقي للتعليم العالي، وهو توفير تعليم جيد للطلاب، وإجراء أبحاث تخدم المجتمع. يجب أن تركز الجامعات على تحسين جودة التعليم بدلًا من السعي وراء الترتيب.
تأثير سلبي:
تساهم التصنيفات في خلق بيئة تنافسية غير صحية بين الجامعات، لا تتعلق أبدًا بجودة التعليم والبحث والابتكار وخدمة المجتمع، مما يعوق التعاون، وتبادل المعرفة، ويحوّل التركيز من الارتقاء بالتعليم، بشكل عام، إلى السعي وراء الرتب المصطنعة، خاصة عندما يعتمد التصنيف على سياسة «ادفع أكثر تحوز مرتبة أفضل». التعاون وتبادل المعرفة هما اساس التقدم في التعليم العالي لذا يجب ان تشجع التصنيفات على التعاون بدلا من التنافس.
إغفال التنوع:
تهمل التصنيفات احتياجات وتطلعات الطلاب الفردية، مقدمة صورة نمطية عن «أفضل» الجامعات دون مراعاة التنوع في مجالات التخصص، وأساليب التعلم وثقافات الطلاب. بينما يجب أن يختار الطلاب الجامعات التي تناسب احتياجاتهم وأهدافهم الفردية، وليس فقط الجامعات التي تحتل مرتبة عالية في التصنيفات.
التحيز الثقافي والجغرافي:
يشارك في التصنيفات عدد محدود من الجامعات، وكل من يشارك يجد موقعًا فيها، إلا أن المواقع المتقدمة محجوزة لجامعات الدول الغربية، وبعض جامعات العالم النامي التي تدفع بعضها أموالًا طائلة، وتبقى المراتب المتأخرة متوفرة لجامعات الدول الفقيرة. وبما أن التصنيفات تركز على تمثيل الجامعات الناطقة بالإنجليزية، خصوصًا الأمريكية والبريطانية، فإن ذلك يؤثر سلبًا على تصنيف الجامعات في الدول النامية، والجامعات الناطقة بلغات أخرى، ما يعني أنه لا يوجد تمثيل عادل للجامعات من مختلف المناطق والثقافات.
الخلاصة:
تبرز التصنيفات الجامعية العالمية كمرجع للقيادات التعليمية وللطلاب وأولياء الأمور، لكنها تعاني من عيوب جوهرية؛ فهي تعتمد على معايير مضللة كالتركيز على الأبحاث المنشورة دون جودتها، وتتلاعب الجامعات بالمعلومات المقدمة. كما أن هذه التصنيفات تقتصر على عدد محدود من الجامعات المشاركة، مما يقلل من تمثيلها للواقع. وتغفل هذه التصنيفات العوامل الخارجية المؤثرة، وتخلق تنافسًا غير صحي بين الجامعات. وبالإضافة إلى ذلك، تهمل التصنيفات احتياجات الطلاب الفردية، وتُظهِر تحيّزًا ثقافيًا وجغرافيًا واضحًا.
تشهد الساحة السياسية في إقليم كوردستان جولات من المفاوضات بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بهدف تشكيل الحكومة الجديدة. تتجلى في هذه المفاوضات اختلافات جوهرية في الرؤى والأهداف، ما يجعل الحوار السياسي خطوة أساسية لبناء إدارة مستقرة تخدم المواطنين بكل مكوناتهم و يبدو ان المفاوضات الجارية تعتمد العمل وفق الانتقال من مرحلة الى أخرى أي الانتهاء من ملف والانتقال الى ملف اخر دون فتح ملفات جديدة لحين حسم الأولى.
يرى الحزب الديمقراطي أن يكون له اليد الطولى في الحكومة المقبلة باعتماد نتائج الانتخابات فقط، بحيث يحصل على معظم الحقائب الوزارية. على النقيض من ذلك، يؤكد الاتحاد الوطني على ضرورة إقامة شراكة حقيقية تتجاوز مجرد توزيع المناصب، إذ لا تُعد مسألة المقاعد سوى أداة لخدمة المواطنين؛ فهو يتمتع بنفوذ واسع بقدر نفوذ الديمقراطي او ربما اكثر على الساحة الكردستانية والعراقية ولا يتأثر بعدد المقاعد، مما يضمن دوره الأساسي في العملية السياسية ويؤكد أن الحكومة لن تتشكل دون مشاركته كعنصر اساسي لا غنى عنه.
كما يدعو الاتحاد الوطني إلى نموذج شراكة يشمل جميع الأطراف السياسية والمكونات الدينية والقومية، مبني على أسس الحوار والتفاهم المشترك، بحيث لا تقتصر الشراكة على توزيع الوزارات فحسب، بل تمتد إلى صياغة رؤية سياسية وإدارية طويلة الأمد تُعزز من قدرة الإقليم على مواجهة تحدياته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. اضافة إلى ذلك أهمية تحسين العلاقة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، حيث يرى أن تقوية هذه العلاقة تعد مفتاحًا لتحقيق التنمية والاستقرار؛ إذ يمكن لحوار بناء مع بغداد أن يؤدي إلى توزيع عادل للموارد المالية والاستثمارات الاقتصادية، مما ينعكس إيجاباً على حياة المواطن، كما تعتبر خطوة استراتيجية لتجاوز الخلافات التاريخية وتحويلها إلى تعاون يضمن تحقيق مصالح مشتركة تعود بالنفع على كلا الطرفين...
تمثل الأيام القادمة نقطة حاسمة في تحديد ملامح الحكومة المقبلة في الإقليم، حيث أن نجاح العملية السياسية لا يعتمد فقط على حصص الوزارات، بل يتوقف على إقامة شراكة حقيقية تشمل جميع المكونات وتحسين العلاقة مع بغداد لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متكاملة .