مقالة

يعد الحوار من أسمى وسائل التواصل الحضاري بين مكونات المجتمعات المتحضرة، فهو يعزز التماسك الاجتماعي بين الثقافات المختلفة ويزيل العقبات والالتباس ويقرب الرؤى ووجهات النظر بين الأطراف المختلفة.
ولقد كان لي شرف المشاركة في ملتقى الحوار العربي الكردي المنعقد في بغداد في ٧/٢٩ بإشراف  و رعاية كريمة من لدن  فخامة رئيس الجمهورية العراقية الدكتور عيد اللطيف جمال رشيد .
حيث قدم فيه العديد من الكلمات القيمة من ممثلي الدول والشخصيات المرموقة في العالم العربي،  إضافة إلى تقديم العديد من البحوث والأوراق البحثية المثمرة في ثلاث محاور مختلفة كانت لي   فرصة المشاركة في محور الشخصيات الكردية المؤثرة في الحضارة والثقافة العربية  ببحث معنون بالمرأة في الفكر التنويري للعلماء الكرد ، قاسم امين والملا محمد جليزادة الكويي انموذجا. 

ان الملتقى الذي عقد في بغداد هو الملتقى الثالث من نوعه بين المثقفين الكرد والعرب بعد ملتقى التأسيس في السليمانية والملتقى الثاني في بغداد العاصمة ، والذي تم فيه وضع اللبنات الأساسية  لمركز الحوار العربي الكردي  من أهداف ورؤى  وفعاليات والتي اشتملت على دعم الإنتاج الثقافي والفكري والأدبي والبحثي و إبراز التراث العربي والكردي واستكشاف المواهب الإبداعية ودعمها، تدعيم اواصر العلاقات الثقافية والروابط المشتركة بين المثقفين ، تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع، العمل على نشر الثقافة الكردية في المجتمعات العربية وبالعكس وغيرها من الأهداف الجليلة . 

و لفكرة التواصل والتحاور هذه  جذور مباركة  كانت من بواكير الحضور السياسي الكردي والثقافي في بغداد عاصمة العراق الحديث  مطلع العشرينات من القرن الماضي  عبر محاولات الرعيل الاول من النخبة الكردية في بغداد وكانت البداية  بتدشين تجربة الصحافة الكردية الرائدة من بغداد سواء الصحافة الرسمية مثل صحيفة فهم الحقيقة(تێگەیشتنی ڕاستی) الشقيقة لصحيفة لغة العرب. او الصحافة الاهلية مثل صحيفة (بانگى كوردستان - نداء كردستان) او عبر تأسيس انشطة و فعاليات ثقافية ذات مغزى وطني رحب مثل نشاطات نادي الارتقاء  الكردي ( یانەی سەرکەوتنی کوردان ) وغيره. 
وفي تلك  الاجواء الواعدة من عمر الدولة العراقية الجديدة كتب  المناضل الكبير إبراهيم احمد من ابرز رموز الحركة الكردية والحركة الثقافية في كردستان كتيبا بعنوان الأكراد والعرب اكد فيه على اهمية التلاحم بين الأمتين العربية والكردية في نضال مشترك داعيا الى توثيق عرى صداقة متينة واخوة تعززها الاقرار بالحقوق المتساوية للمكونين العريقين. 
وكان الرئيس الخالد مام جلال بصفته مناضلا ثوريا و زعيما كرديا تقدميا  و أحد الآباء المؤسسين للعراق الديمقراطي الاتحادي  يؤكد في خطاباته السياسية الثرية و مواقفه الوطنية الفعلية  على ضرورة التحاور والعمل المشترك بين المثقفين العرب والكرد، و نادى باصرار بهذه الفكرة البناءة اثناء جولات الحوار العربي الكردي في القاهرة عام ١٩٩٨ و في مهرجانات استذكار الجواهري شاعر العرب الاكبر في السليمانية عام ٢٠٠٠ وفي بغداد بعد انعتاقها من نير الدكتاتورية والاستبداد عام ٢٠٠٣ . 
و تمتينا وتواصلا لهذه المسيرة الغنية وتطويرا وإثراء لها فأن مبادرة  فخامة رئيس الجمهورية بتأسيس مركز للحوار العربي الكردي تأتي كخطوة فعلية  جادة تحول هذه الجهود والمبادرات الايجابية إلى واقع ملموس يعنى بعقد هذه الملتقيات بشكل دوري ودائم، هذه المبادرة التي يحسب لفخامته اثناء  فترة رئاسته للجمهورية العراقية يستحق ان يثمن عاليا، إذا انها  تؤطر الجهود المباركة و تهييء الأرضية لمزيد من التفاهمات وتقارب الرؤى حول القضايا المصيرية الهامة للشعبين الكردي والعربي.  وهي بمثابة بذرة طيبة يستلهم وينبت منها المزيد من سنابل  المشاريع الثقافية الكبيرة على مستوى العراق بين  جميع مكوناته كرديا وعربا وتركمانا وآشوريين .بل و بين الامم الكبيرة على مستوى المنطقة من العرب والترك والفرس والكرد ايضا.   فالمبادرات الخلاقة الخيرة تستحق التثمين  والتطوير بغية  خدمة الشعوب الأصیلة  في الشرق الاوسط حتى داخل الكيانات الحديثة ومد اواصر التواصل بينهم ، ونحن كأمة  كردية  نعد رافدا أصيلا من روافد حضارة منطقة الشرق الاوسط  لما أسهمنا وأسهم علمائنا في تطوير وتقدم الحضارة الإسلامية والإنسانية .
ونتمنى من المؤسسات و الفعاليات السياسية الكردية منها و العربية وأيضا من المثقفين العراقيين من كافة الأطياف ، المشاركة الفاعلة في الملتقيات القادمة من اجل ان نجعل الحوار الثر و العميق خيارنا الأمثل والأول  لحل الخلافات  التي تطرأ  على الساحة العراقية وأن نؤكد فعلا وليس قولا ان اختلاف الامة رحمة و لايفسد لود التعايش البناء قضية.

و اني أرى ان ما يعزز الشراكة الوطنية بمعناه الواسع ليس فقط التفاوض السياسي المؤقت أو التكتيكي بين الاطر السياسية المتصارعة على المصالح الآنية أو حتى على الاستحقاقات الدستورية والديمقراطية رغم أهميتها وأحقيتها لديمومة العملية السياسية ، بل نحن نحتاج الى التحاور البناء والعميق الذي له الاولوية الوطنية والحضارية وتسهم في ديمومة التواصل بل وتوفر قاعدة متينة لأي تفاوض سياسي مطلوب من اجل تعزيز العملية السياسية. وقبل حوار السياسة و مشتركات المصالح نحن بحاجة الى حوار الثقافة و الفكر  وتنشيط المخيلة الابداعية. و المثقفون والاكاديميون من الكرد والعرب مدعون قبل غيرهم لهذه المهمة.
اقرأ المزيد
للتواصل الثقافي العربي الكردي أهمية كبيرة في ترسيخ التعايش وتعزيز التفاهم بين الشعبين وزيادة فهم كل طرف لثقافة الآخر، مما يؤدي إلى تقليل الأحكام المسبقة وتعزيز الاحترام المتبادل و السلم الاجتماعي،فالفهم المتبادل والتواصل الثقافي يساعدان في التقارب الرصين وتهدئة التوترات العرقية والنزاعات،مما يساهم في بناء مجتمع أكثر سلامًا واستقرارًا وايضا يساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية لكل من الشعبين، مع تعزيز الشعور بالانتماء إلى مجتمع أوسع وبناء جيل جديد أكثر وعيًا بالتنوع الثقافي وأهمية التعايش السلمي.

من خلال التعاون والتبادل الثقافي بامكان الشعبين أن يتحدا لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب، الفقر، والتغيرات السياسية والاقتصادية وارساء المساواة والحكم الرشيد اضافة الى التصدي للمخاطر التي تهدد النظام الديمقراطي .

من الركائز التي نستند عليها في حتمية نجاح جهود التواصل الثفافي ان العلاقات العربية الكردية تتميز بالعديد من المشتركات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تعزز من التعايش والتعاون بين الشعبين ليس في العراق بل في المنطقة من حيث تاريخ مشترك من التفاعل الاجتماعي والسياسي واللغوي والعيش معا في المنطقة على مر العصور وهما يواجهان العديد من القضايا المشتركة في المنطقة، مثل التحديات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية والحكم الاستبدادي .

اضافة الى المشتركات الدينية والفنية والقيم الاجتماعية فان التحديات البيئية والجغرافية تتطلب تعاونا مشتركا بين العرب والكرد لإيجاد حلول مستدامة والتواصل الثقافي بمثابة جسر رصين لهذه المهمة المصيرية.

لقد اثبتت الحقائق والوقائع ان الشعب الكردي لم يكن منفتحا على الثقافة العربية فقط بل ساهم بقوة في بناء هذه الثقافة العريقة ولمعت أسماء مفكرين وشعراء وفنانين ومؤرخين كرد في الثقافة العربية والتاريخ شهد الكثير من الشراكات الثقافية تلك، وأبرز لنا جهود الكثير من المثقفين الكرد الذين أسهموا في آداب وعلوم اللغة العربية، وفي مختلف الفنون وبالتالي فان هذا التفاعل الثقافي يعبّر بشكل أكيد عن حسن التعايش ما بين الشعبين وتوفير أجواء إيجابية للتفاهم وتطوير المشاريع المشتركة وتبادل المعارف والعلوم.

انطلاقا من هذه الحقائق جاءت جهود فخامة الرئيس العراقي د.عبداللطيف رشيد بتأسيس المركز الثقافي العربي والكردي كضرورة وطنية ملحة من أجل رفد المجتمع والنهوض به بأواصر توحد الكلمة وتعزز خطوات ترسيخ الوحدة من خلال توحيد الافكار والتفاهم وقبول الاخر بهدف فهم تاريخ وحضارة الشعبين العربي والكردي بشكل أفضل عبر الأنشطة والمشاريع الثقافية المشتركة والترجمة المتبادلة للكتب، وتسهيل التعاون والحوار بين النخب الثقافية والاجتماعية والأكاديمية والمهنية مع خلق فرص مناسبة لتعايش وتفاعل الثقافة المتبادلة.
اقرأ المزيد

هذا المقال بقلم شاناز إبراهيم أحمد، السيدة الأولى لجمهورية العراق، مدافعة عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ومؤسِسة أقدم جمعية خيرية للأطفال في كردستان عام 1991م. 

 نعلم جميعاً أن مكونات المجتمع كثيرة ومتنوعة، لكن الحقيقة هي أنه في كل زمان ومكان الأسرة هي النواة الأساسية لبناء المجتمع والمدرسة الأولى في بناء شخصية الطفل وغرس القيم والسلوك فيه.

في العراق، نتحدث كثيرا عن العمل على تمكين المرأة ونشيد بدور المرأة العراقية في المجتمع وقوتها وقدرتها على تحمل المصاعب ونسمي نساء العراق الناجيات اللواتي يمكنهن التكيف مع الحرب والسلام. وندرك بأن الجنة تحت اقدام الامهات ونتذكر عددا لا يحصى من النساء اللواتي ترملن في سلسلة الحروب التي ابتلي بها البلد، وكيف أصبحن المعيلات الوحيدات للأسرة، وربين أطفالهن بمفردهن في ظل الظروف الصعبة.

ونتكلم أيضا عن حقوق الطفل واهمية اقرار قانون حماية الطفل، لأننا على يقين بإن أطفالنا هم مستقبلنا. وفي حزيران 1994 صادق العراق على اتفاقية حقوق الطفل، وقد أحرز تقدما في مجال حقوق الاطفال منذ ذلك الحين رغم سنوات النزاع وعدم الاستقرار في البلاد، فضلاً عن العمل على إصلاح قوانين حقوق الطفل وحمايته بحيث تتماشى مع المعايير الدولية.

رغم ذلك، يذهلني بانه تجري الان بعض المساعي الى تعديل المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية لعام 1959، حيث يلغي تعديل بعض الفقرات من هذا القانون حق المرأة في حضانة أطفالها وتقوض في الواقع حقوق المرأة ككل وكل ما اكتسبناه خلال عقود من النضال.

فقد جرت خلال السنوات السابقة محاولات لتعديل هذا القانون لكن الشعب العراقي رفض ذلك رفضا قاطعا، حيث تمنح المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 الأم حق الحضانة حتى يبلغ المحضون 15 عاماً وبمجرد أن يبلغ 15 عاما، يمكنه اختيار أحد الوالدين للعيش معه. بينما يمنح التعديل المقترح حق الحضانة للأم حتى يبلغ المحضون السابعة من عمره، ثم تنتقل الحضانة إلى الأب وإذا توفي الأب، تنتقل الحضانة إلى الجد. كما يمنع حق الحضانة عن الأم في حال الزواج مرة أخرى. فاذا تزوجت الأم مرة أخرى وتوفي الأب والجد، يتم إرسال الطفل إلى دار الأيتام رغم أن الأم على قيد الحياة.

دعونا ننظر فيما هو على المحك. في حالة تمرير هذه التعديلات، سيبقى عدد لا يحصى من النساء في علاقات زوجية مسيئة من أجل البقاء مع أطفالهن. فأين حق الطفل في العيش في بيئة صحية وسليمة؟

إن حضانة الأطفال مسألة حساسة، لا سيما في العراق المتعدد الأعراق والأديان وذلك يتطلب مراعاة التقاليد والقيم الثقافية لمختلف المجتمعات والفئات التي تشكل هذا البلد، واحترام حقوقهم ومطالبهم بأن يحظى ابناءهم برعايتهم. ومع ذلك يتوجب على كلا الوالدين التعاون وتحمل مسؤولية القرارات المتخذة فيما يصب في مصلحة أطفالهم، والابتعاد عن القرارات العاطفية التي تضر بمستقبل أطفالهم. وهذا هو جوهر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

لنكون حذرين بشأن تأطير هذا على أنه قضية جنسانية، أو قضية نسوية. حقوق المرأة وحقوق الطفل هي حقوق الإنسان. إذا تم انتهاك حقوق النساء والأطفال، وإذا تم تجريدهم من الحماية الدستورية، فمن سيكون التالي؟ إن انتزاع حقوق أي مواطن عراقي، سواء كان من النساء أو الأقليات الدينية أو المعوقين او غيرها، يتعارض مع مجتمعنا الديمقراطي التعددي المتسامح. علينا أن نحافظ على دستورنا من أجل الحفاظ على العراق كدولة ديمقراطية والتي نركز فيها على المداولة والحوار المتبادل الذي يساعد السلطات التشريعية على معرفة الرأي العام.

في عام 2012، أعلنت الأمم المتحدة الاول من حزيران هو اليوم العالمي للوالدين «لتقدير جميع الآباء في جميع أنحاء العالم لالتزامهم وتفانيهم تجاه ابناءهم وتضحياتهم مدى الحياة من أجل رعاية هذه العلاقة». وكان الهدف هو تحفيز الوعي بأهمية الأبوة والأمومة ودور كلا الوالدين في توفير الحماية للأطفال وتعزيز النمو الإيجابي للأسرة.

في هذه المناسبة، دعونا نكرم الآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم على التضحيات التي يقدمونها لأطفالهم، ودعونا لا ننسى المعاناة التي تجرعها الأمهات والآباء في العراق الذين ذاقوا الألم الذي لا يطاق لفقدان أبناءهم في الحروب، وغير ذلك من الجرائم الوحشية المرتكبة ضد الإنسانية، فضلا عن الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها الشعب العراقي، ولا ننسى المأساة الانسانية التي تجري في غزة فهل يحتفل الابوين في غزة هذا العام في عيدهم؟

وأخيرًا، دعونا نلقي نظرة على الصورة الكبيرة والتعديلات غير الضرورية على قوانيننا النموذجية التي من شأنها أن تكشف نسيج مجتمعنا.

اقرأ المزيد
سبقت أحداث 7 أكتوبر و"طوفان الأقصى" أربعة تطوّرات مهمة: أولها، أن الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاق أوسلو ترافقت مع انهيار النهج الذي راهن على حلّ وسط مع الحركة الصهيونية، عبر المفاوضات، وبنى آماله على وساطة أو تدخل أميركي ينقذ ما يُسمّى "حلّ الدولتين". تحطم ذلك النهج على صخرة العناد والتطرّف الإسرائيليين اللذين منعا أي لقاء تفاوضي، ولو شكلياً، خلال السنوات العشر الماضية، وأمعن في إلحاق الإهانات والتطاول على السلطة الفلسطينية.

وكان التطور الثاني انتصار تيار حسم الصراع في الحركة الصهيونية بتأثير صعود المستوطنين وحركة الاستيطان المتطرّفة في الضفة الغربية وسائر مناطق فلسطين وتحوّلها إلى قوة سياسية فاشية مؤثرة، بالتوازي مع صعود الفاشية الأصولية الدينية التي استولت على الأحزاب الدينية في إسرائيل.

أما التطور الثالث، فكان استخدام التطبيع مع المحيط العربي، وسيلة إسرائيلية – أميركية لتصفية القضية الفلسطينية بكل مكوّناتها، ولترويج إنشاء حلف عسكري إسرائيلي – عربي – أميركي، وجسّد مشروع اتفاقيات أبراهام الذي تبنّاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هذا التوجّه. وكان التطور الرابع، انغماس نتنياهو والمنظومة الإسرائيلية في أوهام التصفية إلى حدّ رفع نتنياهو، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطة إسرائيل الكبرى التي تضمّ الضفة الغربية وقطاع غزّة، والجولان المحتل، بالتوازي مع تولي الحكومة الفاشية مقاليد الأمور والبدء بنشاط استيطاني واسع وغير مسبوق في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

وجاءت أحداث 7 أكتوبر ردّ فعل على كل هذه التطوّرات، لتعصف بها جميعاً، وتطيح بضربة واحدة أوهام الحركة الصهيونية، والحكومة الإسرائيلية العنصرية، بقرب تصفية قضية الشعب الفلسطيني برمّتها. وكان رد الفعل الإسرائيلي وحشياً بصورة جنونية، إذ شمل حتى اللحظة الانخراط في جرائم حرب متوازية، بما فيها الإبادة الجماعية، والعقوبات الجماعية إلى حد استخدام التجويع سلاح حرب، ومحاولة تنفيذ ثاني أكبر عملية تطهير عرقي، بعد النكبة، لسكان قطاع غزّة.


عنف ردّ الفعل الإسرائيلي وحدّته اللامتناهية، عبّرا ليس فقط عن مشاعر (ونيّات) الانتقام البهيمية لمنظومة، ومجتمع، لم يعتد منذ تبلوره عام 1948 تلقّي هزائم، ولا خوض معارك متكافئة، بل مثّل أيضاً انعكاساً لدرجة تغلغل العنصرية المطلقة في صفوفه، وعمق تبنّيه أيديولوجية نفي الآخرين، وخصوصاً الفلسطينيين، بشراً واحتقاره قدراتهم، وذكاءهم، وآمالهم ومشاعرهم، وحقوقهم. ولكن عنف ردّ الفعل أظهر كذلك مدى عمق الشعور بالإحباط والهزيمة لدى القيادة والمنظومة الإسرائيلية بسبب تبخّر سراب اقترابها من لحظة حسم الصراع استراتيجياً، بالتصفية، والتطبيع، والاستيطان المنفلت من عقاله.

وتفاقمت حدّة العناد والعنف الوحشي ضد المدنيين الفلسطينيين، مع كل تطوّر جديد أظهر عودة القضية الفلسطينية إلى تصدّر المشهد السياسي العالمي، والنهوض العارم لحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني التي لم يسبق لها مثيل منذ حركة مناهضة الحرب على فيتنام، والحملة العالمية لفرض العقوبات والمقاطعة على نظام الأبارتهايد والفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

ولعل أكثر ما آلم الحركة الصهيونية ووتّرها، انهيار الأسطورة التي صنعتها لنفسها، بأنها جبّارة كلية القدرة، وذات مناعة عصيّة على الكسر، منذ حرب حزيران (1967) أو ما سمّته انسجاماً مع الرواية التوراتية، "حرب الأيام الستة" عندما هزمت في أقلّ من أربعة أيام ثلاثة جيوش عربية، واحتلت مساحات من الأراضي تزيد على ضعفي مساحتها، وقدّمت إلى العالم الغربي الاستعماري نموذج "داود الصغير الماهر في مواجهة جوليات الجبار والفاشل".

هذه المرّة، وفي يوم طوفان الأقصى، كانت إسرائيل هي جوليات المكسور في مواجهة داود الفلسطيني. لكن تلك الأسطورة لم تكن الوحيدة التي انهارت في غضون الأشهر الماضية، بل انهارت أيضاً صورة إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في "الشرق البدائي المتخلّف"، وعقدة "أخلاقية الجيش الإسرائيلي" التي تبدو مواصلة نتنياهو التبجّح بها مدعاة للسخرية وهو يتلوها وجيشه يقتل ما لا يقلّ عن سبعة عشر ألف طفل وعشرة آلاف امرأة فلسطينية بوحشية جنوده، وأسلحته الأميركية.

ومثل التمزّق الداخلي في المجتمع الإسرائيلي، على وقع فشل المخطّطات السياسية والعسكرية، ومظاهر انشقاق مجموعات يهودية في أوروبا والولايات المتحدة، عن المشروع الصهيوني، دوافع قلق عميقة واستفزازاً خطيراً لسلوك المنظومة الإسرائيلية التي خرجت عن طَورها مراراً وتكراراً بتعميق الالتفاف حول الأفكار، والأقوال، والشعارات ذات المضمون الفاشي والعنصري الخطير، والانعزالية المرضية إلى درجة وصف بعض حلفائهم باللاسامية. ولكن الانهيارات لم تقتصر على المشهد الإسرائيلي بكل مكوّناته، بل تعدّتها إلى إشارات مؤلمة، ومخيّبة للآمال لضعف الموقف الرسمي العربي والإسلامي في مقابل التأييد العربي والإسلامي الشعبي الجارف، وبسبب استمرار بعض الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل رغم خرق الأخيرة القوانين الدولية، وتنكّرها لقرارات المحاكم الدولية.

شكّل قرار المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، كريم خان، توجيه الاتهام رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو والوزير غالانت بارتكاب جرائم الحرب، وقرارات محكمة العدل الدولية بالاشتباه بارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية انعطافاً مهماً جداً، وعزّزه أمر محكمة العدل الدولية بوقف الحرب الإسرائيلية على رفح وطلب إدخال المساعدات الإنسانية وضرورة سماح إسرائيل للجنة التحقيق في جريمة الإبادة الجماعية بالعمل، وهي جميعها أوامر سترفضها إسرائيل، لكنها صارت تمهد لشبكة عالمية واسعة لاستدعاء فرض العقوبات والمقاطعة على إسرائيل.

لم تكن إسرائيل، ومعها مؤيدوها في الولايات المتحدة، في حالة عزلة كما هي عليه اليوم، ولم ترَ في تاريخها هذا المستوى من التفتّت الداخلي، وضعف المناعة. ... إنها مرحلة انهيار الأسطورة وتبخّر الأوهام.
اقرأ المزيد
ليس تفصيلاً عابراً حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومقتله مع آخرين، إن لم يكن لشيء، فلأنه يعطينا مرّة أخرى صورة واضحة عن كيفية إدارة إيران أزماتها، سواء على المستوى الإعلامي أو العملياتي، وعن وضع مؤسّساتها وأجهزتها، وإمكاناتها المدنية، والعسكرية. ورغم أن الراجح كون الطائرة تحطمت بفعل الأحوال الجوية السائدة، الا أن هذا لا يمنع وجود تساؤلات عديدة مرتبطة بالكفاءة والفعالية، مثل أن طائرة الرئيس فقط هي التي تأثرت بالعاصفة من بين ثلاث طائرات كان يضمها موكبه (ما يطرح أسئلة بشأن جهوزية طائرة الرئيس وإجراءات الأمن والسلامة فيها)، ومفارقة أن طائرات المرافقة التي يفترض بها أن تحمي الرئيس تركته من دون حماية ووصلت هي دونه إلى برّ الأمان.

ليس هناك شك في أن عملية استبدال رئيسي سوف تجري بسلاسة في أروقة النظام الايراني، لوجود آليات دستورية تحكمها، كما أن من غير المحتمل أن تكون لغيابه تداعيات آنية في وضع ايران الداخلي أو في سياساتها الخارجية والأمنية، خاصة في المنطقة العربية، فهذه السياسات لا يحدّدها، كما هو معروف، الرئيس أو وزير الخارجية، بل المرشد والحرس الثوري الذي يلعب دورا محوريا في وضعها وتنفيذها، في حين تترك للرئاسة والخارجية مهمّات قيادة العمل الدبلوماسي الذي لا يعكس دائما، ولا يتفق بالضرورة مع العمل الميداني، كما أوضح وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، في تسريباته الصوتية، وفي مذكّراته التي نشرها أخيراً، فالقول الفصل هنا للحرس الثوري، وتحديدا فيلق القدس.

المشكلة الكبرى التي يفرضها غياب رئيسي على النظام إيجاد بديل له داخل المعسكر المحافظ يحظى بثقة المرشد، والحرس الثوري، وفي الوقت نفسه، يتمتّع بدرجة من القبول على الساحة الدولية، في فترة تتّسم بعدم اليقين في تاريخ إيران والمنطقة. فعلى مدى سنوات، وخاصة منذ تقديمه مرشّحاً عن التيار المحافظ في انتخابات 2017 الرئاسية، أمام الرئيس السابق حسن روحاني، ثم توليته السلطة القضائية تعويضا له عن خسارته الرئاسيات، بدأت عملية تصعيد رئيسي واعداده للعب دور مركزي في المشهد السياسي الإيراني، حتى بات يُنظر اليه الخليفة المحتمل للمرشد البالغ 85 عاما. وهذا تحديدا هو جوهر المعضلة التي سيمثلها غياب رئيسي بالنسبة للمعسكر المحافظ، وللمرشد نفسه، الذي ما فتئ يتقلص من حوله الرجال الذين يثق بهم أو يأتمنهم على تركته منذ مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في مطار بغداد عام 2020. من غير الواضح أيضاً ما اذا كان غياب رئيسي سيؤدّي إلى بروز صراعات على خلافته داخل المعسكر المحافظ، وفيما إذا كان ذلك سيمثل أيضا فرصة للإصلاحيين لاستعادة المبادرة بعد أن جرى تهميشهم تماما خلال السنوات الماضية. هل نرى أيضا عودةً لتيار أحمد نجاد (القوميين الأصوليين)؟ وفي حال لم يحصل أيٌّ من هذا، هل يمتلك المرشد، الذي تلقى ضربة كبيرة بفقدان رئيسي، الوقت الكافي لإعداد خليفة له؟ وإذا تمكّن من ذلك، هل يمكن له اختيار خليفة يحقق الاجماع الذي حظي به رئيسي داخل المعسكر المحافظ؟

ليس فقط أن البحث عن بديل لرئيسي لن يكون مهمّة سهلة بحد ذاتها، بل أيضاً لأن هذه العملية تجري في ظروف إقليمية ودولية صعبة، ورغم أن ظروف إيران كانت دائما صعبة منذ 1979، لكن صعوبتها الآن مضاعفة، نظرا إلى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة، فهناك حرب غزّة المستمرّة منذ سبعة شهور، وكادت، لولا تدخّل إدارة بايدن، تفضي الى مواجهة مباشرة إيرانية -إسرائيلية، رغم أن احتمال اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله ما زال قائما. وهناك أزمة برنامج ايران النووي، والذي تتزايد المخاوف بشأنه في ضوء تصريحات مسؤولين إيرانيين عن احتمال إعادة النظر في عقيدتهم النووية، وماذا عن المفاوضات السرّية الجارية مع واشنطن، في مسقط، وغيرها من عواصم المنطقة؟ هل تتوقّف بانتظار أن تتعرّف واشنطن إلى شريكها الجديد في طهران؟ وهل تتزايد في الأثناء مخاطر وقوع خطأ في الحسابات بسبب وجود فراغ رئاسي في إيران، ورئيس "مشلول" في واشنطن بحملة إعادة انتخابه، فيما يقاتل نتنياهو في إسرائيل من أجل البقاء؟
اقرأ المزيد

كان من المفترض أن اكتب هذا الاسبوع عن الانتخابات الايرانية، التي تضمنت انتخابات مجلس الشوری البرلمان في دورته الثانية عشرة، وانتخابات مجلس خبراء القيادة، لكني سأرجئ تناول هذه الانتخابات للاسبوع المقبل، لتناول نتائج هذه الانتخابات، التي تجری وسط تحديات داخلية وخارجية علی خلفية المشكلات الاقتصادية، التي تعانيها ايران جراء العقوبات، التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة وحاجة ايران الاستعداد لمواجهة نتائج الانتخابات الامريكية الرئاسية، التي تجری في نوفمبر القادم اضافة الی نسبة المشاركة، الذي يعتبر مؤشرا مهما لمدی دعم الناخب الايراني للنظام السياسي الذي يعيش في اطاره.

وفي موضوع لايبتعد كثيرا عن هذا الملف وتداعياته الداخلية والاقليمية تعيش منطقة الشرق الاوسط تطورات أمنية، يصفها البعض "مصيرية" علی خلفية النتائج، التي تتمخض عنها وتأثيرات هذه النتائج علی مجمل الأوضاع في المنطقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، التي ما زالت تشكل بؤرة التوتر في هذا الإقليم منذ عقود، دون أن تنجح القوی الكبری وتحديدا الولايات المتحدة من إيجاد، حل لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، الذي يرزخ تحت نير الاحتلال طوال العقود السبعة الاخيرة، بسبب الدعم اللامحدود الذي ابدته هذه القوی للكيان الاسرائيلي، والذي تجسد بشكل واضح بعد السابع من اكتوبر بشكل لا يقبل الشك والترديد، حيث تمسكت الإدارة الامريكية، ومعها بقية الدول الغربية بالرواية الإسرائيلية، التي رسمها نتنياهو سواء ما حدث في يوم السابع من اكتوبر، أو ما يحدث بعد ذلك اليوم من اجتياح اسرائيلي، ما زال مستمرا لقطاع غزة المحاصر، الذي لم يجد سكانه مكانا لدفن ضحاياهم، بعد أن وصلت اعداد القتلی الی حاجز 30 ألفا نصفهم من الأطفال.

ما حدث في السابع من اكتوبر له أسبابه المتعددة فمنها ما يرتبط بالاحتلال وعدوانيته علی الشعب الفلسطيني من حصار، وتنكيل وقتل وارهاب ومنه ما يرتبط بالعوامل والظروف الخارجية، التي تتعلق بآلية تعاطي الولايات المتحدة مع الاوضاع والملفات، التي تخص منطقة الشرق الأوسط ولربما المجتمع الدولي بأسره.

لقد قام الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالانسحاب من "الاتفاق النووي" عام 2018 استجابة للوعود، التي اعطاها لبعض الدول الاقليمية وللكيان الاسرائيلي لاسباب تتعلق بهذا الاتفاق لانه "سيیء" كما عبر عنه دون أن يعطي تفاصيل أكثر، لكن الواضح كان استياء رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من هذا الاتفاق، الذي لم يمر عبر النافذة الاسرائيلية لضمان "الأمن الاسرائيلي".

لا أريد الخوض في الاتفاق وبنوده وتاثيره في الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن انخراط دول مجلس الامن الدولي، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، اضافة إلی ألمانيا، والتي شكلت مجموعة 5+ 1 كانت من المناسبات النادرة في المجتمع الدولي، وفي تاريخ مجلس الامن الدولي لحل نزاع دولي اقليمي بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث استند هذا الحل علی إرادة لإعضاء مجلس الأمن، الذي يعني بإحلال السلام في المجتمع الدولي والذي احتضن الاتفاق مع ايران بالقرار 2231 في 20 يوليو تموز من العام 2015.

انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق لم يقضِ عليه، فحسب وانما وجه ضربة قوية لمجلس الامن الدولي وللمجموعة الدولية التي احتضنته في حل النزاعات الدولية وتسويتها بالوسائل السلمية؛ الأمر الذي زرع فايروسة النزاع داخل هذا المجلس، الذي وصل راهنا لهيكل عظمي يفتقد لقدرة معالجة المشكلات، التي تتعلق بالسلام في العالم خصوصا بعد نشوب الحرب الأوكرانية، حيث اصبحت روسيا وهي عضو دائم في هذا المجلس طرفا نديا للولايات المتحدة.

ويسود الاعتقاد أن منصة مجلس الامن الدولي زرع فيها داء التصدع منذ انسحاب الولايات المتحدة من "الاتفاق النووي"، واستمرت عندما نشبت الحرب الاوكرانية، وكان من تداعياتها ما حدث في السابع من اكتوبر في داخل الاراضي الفلسطينية ولازالت الخيارات مفتوحة بما في ذلك تداعيات الانتخابات الرئاسية الامريكية.

واذا ما فاز المرشح دونالد ترامب بالانتخابات الامريكية؛ هل أنه يريد إعادة الاعتبار لمجلس الامن الدولي أم أنه يريد إعادة صياغته، بشكل اخر كما يتحدث راهنا عن حلف شمال الاطلسي "الناتو"؟.

إن خطوة الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي اقدمت عليها الولايات المتحدة تتناقض مع المهمة الاساسية لمجلس الامن الدولي، وهي احلال السلام في المجتمع الدولي وهي بالتاكيد لم تجعل المنطقة ولا العالم اكثر امنا بل انها وضعت هذه المنطقة، التي تقف علی صفيح ساخن في مواجهة عديد التحديات والاحتمالات ؛ وهي بالتاكيد لن تكون كما كانت قبل السابع من اكتوبر مهما كانت نتائج الحرب التي يشنها الكيان الاسرائيلي ضد المدنيين في غزة.

ولا يمكن استبعاد هذه الخطوة عن ظروف نشوب الحرب الاوكرانية ولا عن امكانية تفاهم مجلس الامن الدولي لايقاف هذه الحرب التي وضعت الدول الاوربية امام تحد امني واقتصادي وسياسي، قل نظيره في التاريخ الحديث وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية.
إن الظروف التي يمر بها مجلس الامن الدولي نتيجة الهيمنة وعدم احترام هذه المؤسسة الدولية تنسجم مع التوقعات والنظريات التي تتحدث عن النظام العالمي الجديد، الذي يريد التغير الجذري في الفكر السياسي العالمي وتوازن القوى على الساحة الدولية لتعريف وفهم ومعالجة المشكلات، التي يواجهها العالم والتي يخرج حلها عن سعة الدول بمفردها ويتطلب تنسيقاً بين دول العالم.

اقرأ المزيد
لعل فكرة التكامل كمصطلح يُحيلنا للتفكير في مجموعة من المقترحات التي تتطلب دراسات عميقة لعوامل تساعد على تحقيقها، ابتداءً فكرة قيام الدولة، مروراً بالآليات والأدوات والإجراءات... إلخ من القضايا، التي تجعل منها فكرة عملية ومن ضرورات الاستمرار والديمومة، فحتى يتم تحقيق التكامل لابد من دراسة المكانة والقدرات ومعرفة دقيقة بهما في سبيل العمل ضمن مساحة ما هو متاح والممكن، في العديد من التجارب التي بحثت وحاولت التكامل، لا بد من دراسة فكرة التنسيق الداخلي، الذي يعمل على تدعيم اي عمل خارجي، بناءً على تحقيق المصلحة التي تعد غاية كل دولة ونظام سياسي، من خلال دورة المؤسسات ورسم السياسات التي بالضرورة تدرس المدخلات والمخرجات، لتترجم كل ما له علاقة بعمل الدولة للصالح العام، وتنطلق الفكرة من المجتمعات التي تسهم في بناء الدول، من خلال مستويات التفكير والتعاطي مع القضايا النظرية التي تؤدي بالنتيجة إلى تطبيق واقعي ملموس، ولهذا التفكير تطبيقات متعددة قد تكون محصورة في الاتحادات والاحلاف، التي عكست بيئات النظام الدولي، إلا أن العمل ضمن نطاق الدولة الواحدة بحدودها الجغرافية بتنوعها الاجتماعي.. إلخ من العوامل المهمة والرئيسة. في العراق وما مر بيه تحولات وتغيرات في المنظومات السياسية والاجتماعية والثقافية – الفكرية، جعلت من فكرة التكامل ضربا من الخيال، خصوصاً عملية تقزيم الهوية التي مورست على الهوية الوطنية العراقية، مقابل الهويات التي ارتبطت بأيديولوجيات وتيارات فكرية، جعلت من فكرة الترابط من معوقات البناء الاجتماعي، الذي كما ذكرنا تؤثر بالضرورة في ديناميكية النظام السياسي وتعاطيه مع بيئتيه الداخلية والخارجية، بالتالي فإن فكرة نقد العمل التكاملي لا يمكن أن تتحقق، إلا من خلال برنامج واضح أو مجموعة من المبادئ، التي تُقرر من خلال عمل تشاركي بين نخبة سياسية قادرة على ادراك مكانة الدولة ومقوماتها، وبين نخب المجتمع التي من الضروري أن تتجاوب مع ما يتم اقراره من قبل النخبة الأولى بعد أن تتوسط أو تكون الوسيط الاجتماعي - الثقافي من خلال تضييق المساحات السلبية وتوسيع المساحات الايجابية، بالمحصلة لا بد من أن تمر عملية التكامل هذه بمجموعة من المراحل التي تُعد البناء الأساسي لها وهي على الشكل التالي:
• وضع أطر فلسفية فكرية حول منطق الحكم السياسي العراقي.
• تحديد نقاط الضعف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمل على تعزيزها، من خلال إدخال أدوات وأساليب تجعل منها نقطة انطلاق مفهوم فكري عراقي خالص.
• التركيز على بناء هوية عراقية من حيث تحديد مجالها الحيوي ابتداءً من الجغرافية والرقعة الأرضية الحضارية، التي من خلالها تُعزز مفهوم المواطنة العراقية.
• رسم صورة كاملة عن البيئات المؤثرة في الواقع العراقي ودراستها كحالات مستمرة تعمل على التركيز في مختلف الجوانب.
• خلق أيديدولوجيا عراقية تدخل في وضعها وتفسيرها وتحليلها مدارس فكرية نابعة من قلب البيئة العراقية.
• تأسيس فكر جديد للأمن الوطني العراقي تتضمن جوانب أمنية- اجتماعية - ثقافية، تعمل ضمن مساحة التقارب والتشارك والتعاون، وفق صيغ علمية وعملية.
• الخروج من صندوق المجتمع التقليدي المؤمن بالاساطير والطقوس.. إلخ من محددات العقل، صوب مجتمع يعيش وسط مساحات الوعي، التي تدعو للتطورات، التي تسهم في خلق مجتمع يتميز بوعي سياسي وثقافي ووطني، يفهم التاريخ ويفسر الاحداث وفق مفهوم المصلحة الوطنية الواسعة لا الضيقة.
اقرأ المزيد

تعقد الجلسة الأولى لمجلس النواب برئاسة اكبر الأعضاء سنا، وخلال هذه الجلسة يعلن الرئيس المؤقت للمجلس فتح باب الترشيح لمنصب رئيس المجلس ومن ثم نائبيه، وبعد غلق باب الترشيح يتم انتخاب رئيس للمجلس ثم نائب أول ونائب ثانٍ، وبالأغلبية المطلقة لكامل عدد أعضاء المجلس، ويتم ذلك بالانتخاب السري المباشر.

ويعلن الرئيس المؤقت للمجلس نتيجة الاقتراع السري، ويدعو الرئيس الفائز ونائبيه لتبوئ المكان المخصص لكل منهم على منصة رئاسة المجلس، وينظم عمل مجلس النواب نظاما داخليا، تتم إدارة الجلسات وفق ما ورد فيها من نصوص

ويتم الاشراف والرقابة على جميع الموظفين والعاملين في المجلس وفقا لذلك، ويدعو رئيس المجلس إلى الاجتماعات الدورية أو الطارئة، ويكون الاجتماع صحيحا بحضور رئيس المجلس واحد نائبيه أو بحضور نائبي الرئيس والاغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، وفي حالة تعذر قيام الرئيس أو عدم قدرة أو وجود نائبيه يكون رئيس الجلسة من يتم انتخابه بشكل مؤقت بأغلبيه الحاضرين للجلسة ذاتها. وعند تقديم رئيس المجلس أو أحد نوابه الاستقالة من المنصب يتم عرضها على المجلس للقبول من عدمها، والقبول يقترن بأغلبيه عدد الحاضرين من أعضاء مجلس النواب، كما ان لمجلس النواب اقالة رئيس المجلس أو احد نائبيه وفقا للقانون، وفي حال الموافقة على الاستقالة أو الإقالة يعود رئيس المجلس أو احد نائبيه أعضاء في مجلس النواب ضمن الدورة الانتخابية، واذا خلا منصب رئيس المجلس أو اي من نائبيه (لأي سبب كان) يجري انتخاب المجلس خلفا للرئيس أو احد نوابه بالأغلبية المطلقة خلفا لهم في أول جلسة يعقدها المجلس لسد الشاغر، وتنطبق الحالة على الحكم الصادر بإعفاء رئيس المجلس السابق من منصبه واقالته من عضوية مجلس النواب لارتكابه مخالفات قانونية، ما يجعل الامر ملزما لانتخاب بديل عنه لسد الشاغر، وكان النظام الداخلي للمجلس يشير إلى الفقرة (ثالثا) من المادة (12) إلى الانتخاب بالأغلبية المطلقة، وفقا لضوابط التوازنات السياسية بين الكتل.

ولمنصب رئيس مجلس النواب أهمية كبيرة، فهو الذي يمثل المجلس ويتحدث باسمة، وبذلك فانه يمثل رئاسة السلطة التشريعية العليا في البلاد، ويحرص على تطبيق أحكام الدستور والقوانين ويلتزم بتطبيق نصوص النظام الداخلي للمجلس، وفي حال غيابه المشروع أو تعذر قيامه بمهامه فسيحل محله النائب الأول، ويمثل صوته عند اصدار القرارات ثقلا حين تتساوى الأصوات في حال طرح مشروعات القوانين، فتنجح الكفة التي يكون رئيس المجلس ضمنها.

وتقدم عدد من أعضاء مجلس النواب للترشيح إلى منصب رئيس المجلس (الشاغر)، وفعلا تمت الجولة الأولى من الانتخاب، وتمَّ إظهار النتائج الأولية، ويفترض أن يتم اجراء الجولة الثانية من الانتخاب، إلا أن نائب الرئيس المكلف برئاسة المجلس وإدارة الجلسة رفع الجلسة المنعقدة لحدوث صخب واعتراضات ومشاجرات، ثم قرر تأجيل جلسة الانتخاب حتى اشعار آخر، ومن الجدير بالذكر ان المطلوب في الانتخاب حصول العضو المرشح على (166) صوتا من عدد الأعضاء البالغ (329 )، ويبدو ان التوافق السياسي لم يحصل بالاتفاق على البديل عن رئيس مجلس النواب. 

وبالرغم من الإشارة التي أشار اليها نص المادة ( 12/ ثالثا ) من النظام الداخلي للمجلس لم ترد في الدستور باي شكل من الاشكال، وبالنظر لإقامة دعاوى امام المحكمة الاتحادية العليا من قبل عدد من أعضاء المجلس ما توجب تعطيل البت بانتخاب رئيس جديد للمجلس إلى حين صدور الاحكام بهذه الطعون، ومع أن الأمر يشكل خرقا للمدد القانونية، التي أشار اليها الدستور والنظام الداخلي للمجلس، فان على القوى السياسية أن تترفع عن خلافاتها وترتقي لمستوى المسؤولية التشريعية وتتفق على مرشح يصلح لرئاسة السلطة التشريعية، وأن يتم النأي عن الاتهامات والشائعات التي تضعف الثقة بالمجلس وسبل انتخاب رئاسة المناصب العليا، وتبسيط عملية اختيار رئيس للمجلس ليؤدي دوره الوطني بنزاهة ومهنية ومقدرة وأن يكون رئيسا لأعلى سلطة تشريعية لكل العراق وليس لقومية معينة أو مذهب معين أو طائفة، فالعراق اكبر من كل ذلك، وجميعنا ننتظر أن يلتئم شمل المجلس خلال الأيام القادمة مع جديد رئيس لمجلس النواب.

اقرأ المزيد

في كتابه «تجديد الفكر العربي» طرح زكي نجيب محمود فكرة التجديد بوضوح، عبر محاولته ربط موضوعة «الأصالة» = «التراث مع «المعاصرة» =الحداثة، فاشتغل على موضوعات في التراث، لم تكن من صميم اهتماماته من قبل، فهو (داعية الوضعية المنطقية) بامتياز، بل وداعية اللحاق بالغرب، وتقليده في رسم خطوات التقدم لنا على وفق ما رسمها مفكروه، وقد كان ذلك بائناً في كتابه «خرافة الميتافيزيقا» الذي غير عنوانه بعد النقودات العنيفة لـ «موقف من الميتافيزيقا»

لتخفيف وطأة ما يحمله الكتاب من آراء نقدية قاسية ضد النزوع الميتافيزيقي والغيبي للعقل العربي.

وهناك كتابه «المنطق الوضعي» وكتب أخرى كثيرة أكدَ فيها منحاه العلمي والمنطقي المُنبهر بتحولات العقل الغربي ونزوعه نحو التمسك بالعلم والمنطق، ولكنه في كتابه «تجديد الفكر العربي»، حاول العودة للتراث والبحث فيه عما يؤيد نزوعه العلمي، وقراءة التجديد بنظارة غربية يرى فيها التراث العلمي إذ يقول « ينبغي أن نأخذ من تراث الأقدمين ما نستطيع تطبيقه اليوم عمليا، فيضاف إلى الطرائق الجديدة المستحدثة»، فنجده يقسم التراث إلى قسمين «المعقول واللامعقول»، وهذا ما بدا واضحاً في كتابه، الذي يحمل العنوان ذاته (المعقول واللامعقول).

ولكن هذه المرَة ليس برفض التراث برمته كما فعل في كتابه «خرافة الميتافيزيقا»، ورميه في زوايا العُتمة لعدم صلاحيته، إنما بالبحث فيه عمَّا يُثبت به نزوعه العلمي والمنطقي ونزعته التحليلية، فكانت للمعتزلة حصتهم، وللغزالي حصته في نقده لقانون السببية واقتراب (ديفيد هيوم) منه في نقده للسببية وقوله بقانون تداعي المعاني، ورفضه للقول بالتلازم الضروري بين العلّة والمعلول. 

وبحثه في جهود (الجاحظ) و(ابن جني) اللغوية، وجهود (ابن رشد) الفلسفية وتأثره بالفلسفة الأرسطية بطابعها البرهاني ومنطقها العقلاني، أو ما أسماها «مرحلة تواصل النشاط النظري للعقل» بدقة عالية وربط للقوانين العلمية بعضها ببعض، وهذه المرحلة بدأت مع ظهور الفلسفة الإسلامية، واختار جابر بن حيان بوصفه من أوائل العلماء العرب، الذين اهتموا بالعلم وضع أسس لمنهج البحث التجريبي، فضلا عن اهتمامه بمبحث الألفاظ والحدود، وهذه من الأمور التي ركزت عليها الوضعية المنطقية التي ينتمي لها محمود، ثم درس إخوان الصفا وركز أيضا على اهتمامهم بالمعرفة الحسية، إذ يمكن مقارنة إنتاجهم مع معطيات الفلسفة المعاصرة، لاسيما في إصرارهم على النظرة العقلية الحسية وتأسيس المعرفة الصحيحة على أساس إدراك الحواس منطلقا في قراءته لفلسفة أخوان الصفا ولكل تراثنا الفكري من فلسفته التجريبية المنطقية، فما كان منسجما معها أخذ به وما كان مخالفا ضربه عرض الحائط.
الأمر الذي يهم محمود ذا النزعة التجريبية. وجريا مع اهتمامه بمنطق اللغة نجده يقف عند كتابات ابن جني.

أجد أن مقولة (التجديد بوصفه تجاوزًا) مُتحققة عند دعاة «التغريب» الذي يؤمن أصحابه بأن كل ما جاء من الغرب يجب الأخذ به، وإن سبب تخلفنا هو تمسكنا بالعادات والتقاليد الماضية والتراث القديم. أبرز من مثلهم: (يعقوب صروف) و (شبلي شميل) و(فرح انطون) و(سلامة موسى)، اذ وجد هؤلاء أن الأخذ بالتراث والتمسك بالماضي أدى إلى تخلف الفكر العربي وتراجعه. فقد تبنى أصحاب هذا الاتجاه «مواقفًا تتبنى التجديد مقولة، ولكنها تُخفي بين طياتها نزعة «نغريبية» تدعو إلى تبني الأنموذج الغربي المعاصر بوصفه أنموذج الخلاص الذي نُحقق «النهضة المرجوة».

 لقد تخلص أغلبهم من تبني (النزعة انتقائية) وإن تخللت بعض كتاباتهم، فنجد هذه العودة للتراث وكأنها (من باب ذرَ الرماد في العيون)، كما فعل (فرح أنطون) في كتابه «ابن رشد وفلسفته»، إذ يقول (ألبرت حوراني) «إن السبب الذي دعا أنطون للاهتمام بابن رشد هو بتأثير من أرنست رينان عليه والذي كتب عن كتاب (ابن رشد والرشدية)»، ويقصد حوراني أن فرح أنطون أراد أن يؤكد ما ذهب إليه (أرنست رينان)، من أن لا وجود لفلسفة عربية، ولا فضل لهم سوى أنهم كانوا «نقلة» أو مترجمين، وواسطة لنقل التراث اليوناني!. 

لقد كان (سلامة موسى) منبهراً بحضارة مصر الفرعونية، ولم يكن انبهاره بهذه الحضارة من باب ايمانه بضرورة العودة للتراث، بل لأنه ينظر لها بوصفها شكلت عمقاً فكرياً وحضارياً للحضارة الأوربية اليوم، وبالتالي، لذلك دعا إلى تجاوز التراث العربي والإسلامي واحياء (النزعة الفرعونية)، فألّف دفاعاً عن هذه الفكرة كتاب: مصر أصل الحضارة، لأنه يعتقد أن دراسة التاريخ الفرعوني إنما هو «في الحقيقة ليس تايخ مصر وحدها، بل هو تاريخ الحضارة الأولى للعالم»، ومصر هي أصل حضارة البحر الأبيض المتوسط، وهي منبع من منابع الحضارة الغربية تمثلت في مدرسة الاسكندرية.

بهذا المعنى نجد أن مقولة «تجديد» التراث ما هي إلا محاولة لتوظيفه وفق أيديولوجيا المفكر إما لغرض تجاوزة أو لتكريس مقولاته.

اقرأ المزيد
كاتب هذه السطور يجتهد بتسميتها «الهويات المتقاتلة» من منطلق أن المجتهد ينال أجرا في النهاية حتى إذا أخطأ وهو أجر الاجتهاد.
معلوف الذي يعترف في «الهويات القاتلة» الصادر عام 2016 يجد نفسه أحيانا بحاجة إلى مايسميه «إمتحان هويتي» ص27 لا لكي يجد في قرارة نفسه ما يمكنه أن يتماهى معه، بل لكي يفصل بين ما يبدو تعدد الهويات بحيث يقوم «بجمعها ورصفها ولا أتنكر لأحدها» وبين الهوية الواحدة.
ولعل المثال الأكثر تحديدا لالتباس الهويات هو ما ذكره عن مواطن بوسني في الخمسين من العمر في مدينة سراييفو اليوغسلافية سابقا.
فلو سالنا، يقول معلوف، وهنا أنقل كلامه بالتصرف، هذا المواطن عام 1980 عن انتمائه لقال بكل فحر «أنا يوغسلافي».
ولو تحدد السؤال أكثر لقال إنه يعيش في «جمهورية البوسنة والهرسك الفيدرالية وإنه ينتمي عرضا إلى عائلة مسلمة».
ص 22 لو التقينا هذا الرجل بعد 12 عاما حيث الحرب مشتعلة ، اشتعلت في التسعينيات من القرن الماضي، لقال «بعزم لايلين أنا مسلم».
أما اليوم «لوسألنا هذا الرجل لقال إنه بوسني أولا ومسلم».
ولو صادفنا هذا الرجل بعد عشرين عاما وسألناه عن تحديد هويته لقال إنه «أوروبي؟ مسلم؟ بوسني؟ أو شيئا آخر؟.
بالنسبة لمعلوف أن إجابة هذا الرجل ربما تكون طبقا لتعدد هذه الهويات لأنها كلها تشكل أحد عناصر وجوده.
لماذا استعنت بصديق؟ وأي صديق؟ معلوف لا غيره لأنه أفضل من ينطبق عليه الوصف لجهة الهويات القاتلة والتي تصالح معها بعد أن وجد نفسه أمام تعدد الأسئلة.
ولدى سؤال يتكرر عليه دائما هل أنت لبناني أم فرنسي يأتي جوابه «هذا وذاك» ص11.
ومع أن تصالح معلوف مع الهويات القاتلة كما يسميها أهلته لأن يحتل واحدا من أرفع المناصب الفرنسية فإنه وبعد هذا التكريم الذي ناله صار «ذاك» الفرنسي أكثر من «هذا» اللبناني.
أسهبت في مثال معلوف في عمود قصير، لأنه يختزل مفهوم الهويات حين تتصالح أو تتقاتل ولو بعد حين.
 بعد حرب غزة بدا التشابك مرة والاختلاف مرة واضحا بين الخرائط والهويات.
فالخرائط التي تضم عدة هويات متصالحة وغير متصالحة بدأت بالتصادم مع بعضها من منطلقات وزوايا مختلفة مرة ذات بعد وطني ومرة قومي ومرة ديني ومرة طائفي بعد أن قسمت الحرب تلك الخرائط والساحات والأهداف والمشاريع والتطلعات.
فطوفان الأقصى صبيحة السابع من أكتوبر 2023 برغم مما أحدثه من خرق هائل في منظومة الدفاع الاستراتيجية الإسرائيلية كاسرا هيبتها ومطيحا بكل ماحاولت رتقه بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، فإنه سرعان ما خرج من ساحة المواجهة الممتدة أصلا إلى ساحات وخرائط وهويات وانتماءات لكنه لم يسهم في توحيدها بقدر ما أدى إلى المزيد من التشتت والفرقة وتبادل التهم والخيانات.
عراقيا لم نكن بمنأى من تشابك الهويات وتصادمها.
إختلاف الهويات بات يتضح لكن ليس بوصف «الاختلاف رحمة» أو حتى «تنوع» في زوايا النظر أو درجاته حيال قضايا تتعلق بتعدد الهويات، بل بدا تناقضا صارخا بين من يأسف لقصف أربيل أو من يتشفى به مقابل من يغضب لقصف باكستان إيرانيا ليتشفى من الرد الباكستاني.
لو عدنا إلى مثال الرجل البوسني عبر مقاربة معلوف وسألناه الآن عن هويته ماذا نتوقع أن يكون رده. سيكون رده من أنت حتى أجيبك.. متأسفا أم متشافيا.
اقرأ المزيد

غالبا ما تسعى الحكومات إلى تقديم ماهو أفضل لمواطنيها من جميع النواحي، فهي إذا ما سعت إلى ضمان حياة كريمة، فلها أن تفخر بمثل هكذا منجز، وبالتالي سيزيد من الأواصر والروابط بين الحكومة والشعب.

دائما ما نركز على ايجابيات المرحلة التي نعيشها اذا ما استحقت الإشادة، ونحاول أن نبرزها ونسعى للتأكيد عليها اذا ما أدت مؤداها الساعية للمنفعة العامة، وفي الوقت ذاته نشخص السلبيات، والتي هي بطبيعة الحال نتيجة تراكم السنوات السابقة والتخبطات القديمة، والتي تحتاج إلى ثورة إصلاح حقيقية، واذا ما أشرنا إلى إيجابيات الوقت الراهن، فلا بد من الإشارة إلى قانون التقاعد الضمان الاجتماعي، الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي في الــ 17 ايار من هذه السنة، والذي يعتبر طفرة نوعية للقوانين، التي شرعت وانعطافة كبيرة نحو تعزيز العجلة الاقتصادية وحماية شريحة المتقاعدين من العمال في القطاع الخاص، وبالتالي أن مثل هكذا قوانين ستعزز الأواصر والروابط بين الحكومة والشعب، باعتبار أن شريحة المتقاعدين ولسنوات خلت يعدون من المنسيين وتعتبر حقوقهم غائبة.

الفجوة التقاعدية المالية إن صحت تسميتها التي كان يعيشها المتقاعد، باتت تؤرق المتقاعدين، فالفرق الشاسع بين الحد الأدنى والحد الأعلى يكاد يكون كبيرا جداً حتى وإن قامت الحكومة بزيادة طفيفة على رواتب الحد الأدنى، لكن لم تفِ بالغرض لانه وبطبيعة الحال أكثر المتقاعدين يعيشون حياة صحية غير مستقرة، فبالتالي الزيادة على مرتباتهم لا تجدي نفعا بسبب زيادة الأسعار بصورة عامة والعلاج بصورة خاصة، الحلول وإن ساهمت وبشكل بسيط لحل شيء من معاناتهم، لكنها وفي ظل الغلاء المعيشي الذي نعيشه تقى حلول ترقيعية، اذن فلنتفق أن المشكلة بنيوية، وتحتاج إلى حلول واقعية، فمتى ما استطعنا أن نسيطر على السوق وعدم تلاعب ضعاف النفوس على أسعاره نكون قد أوجدنا حلا واقعيا، ومتى ما سيطرنا على جشع بعض الأطباء الذين امسوا ينهشون بأجساد مرضاهم باسعار كشفياتهم الخيالية وعلاجهم باهظ الثمن هنا نكون قد أوجدنا حلاً واقعيا، وتشجيعا منا وتثمينا لخطوات الحكومة الساعية لإنجاح برنامجها الحكومي نعتقد بوجود حل، بالإضافة إلى ما تم ذكره سابقا بأنه بالإمكان بناء مستشفيات خاصة في بغداد على غرار مدينة الطب، تعنى بالمرضى المتقاعدين، تكون مؤهلة بكوادر مختصة لرعايتهم وبأسعار مدعومة.

اقرأ المزيد

نتشر في بغداد وعدد كبير من المحافظات ما يسمى (العشوائيات والتجاوزات)، وهو مظهر سلبي من جملة المظاهر السلبية التي تنتشر في العراق وتتجاوز الأنظمة، من دون أن تجد الحكومة حلولا لها، إلا باتخاذ قرارات سريعة وقاسية ومجحفة بحق شرائح عديدة من المواطنين الذين يعيشون في قاع المدينة.

ومثل هذه الظاهرة لم تكن مألوفة من قبل، بل كان هناك على العكس من ذلك أوامر ملزمة بطلاء أحياء ومحلات وشوارع بلون موحد بهدف تحقيق جمالية وخصوصية لكل شارع ولكل حي.

الا ان ما حدث بعد 2003 ؛ كل ظاهرة سلبية باتت تتسع يوما بعد اخر، وبتنا نجد العديد من الشوارع وقد تم اقفالها، بعد أن تحولت إلى أسواق شعبية، واختفت الأرصفة بسبب استغلالها من قبل سكنة الدور أو الباعة الجوالين..
وتمَّ البناء على أراضٍ زراعية أو آثارية، وتحول البيت الواسع الواحد إلى أربعة أو سبعة بيوت !
وقد اتخذت الحكومة سلسلة إجراءات، ووجهت الكثير من الإنذارات للمخالفين تحثهم وتلزمهم على إزالة التجاوزات والعشوائيات والبناء غير النظامي، والذي لا يحمل إجازة بناء ولا خارطة بناء معتمدة رسميا.
إلا أن كلَّ هذه الإجراءات باءت بالفشل، فشلٌ على صعيد الحكومة، وعلى صعيد المواطنين المخالفين كذلك. وهذا يعني أن القرارات الملزمة التي تتخذها الحكومة، لم تلق صداها لدى المخالفين، وخشية المنفذين من الصدام مع المواطنين، الذين يرفضون رفضا قاطعا تنفيذ القرارات التي يعدونها (تعسفية) وخالية من الرحمة والإنسانية والعدالة إزاء شريحة اجتماعية تعاني من الفاقة ومن البطالة.
ولو تمت دراسة هذا الواقع الذي نشهده في كل شارع وفي كل زقاق؛ لتبينا أن بغداد على وجه التحديد قد تحولت من مدينة حضارية وعاصمة تاريخية تزهو بنظافتها، إلى مدينة تثقل عليها العشوائيات والتجاوزات ومن ثم تمتلئ بالنفايات من دون أن تجد الحكومة حلولا لها، وكان من الممكن للحكومة ان تنجح في تنفيذ قراراتها، لو انها تمكنت من اقناع كل مواطن، من ان النظافة ـ نظافة الشوارع والاحياء والازقة ـ لا تقل أهمية عن تنظيف بيوتهم وأماكن أعمالهم.
انها ليست مسؤولية الحكومة وحدها ؛ وانما يتطلب من المواطن تحمل مسؤوليته كذلك في نشر النظافة والنظام.
ولعل انتشار هذه العشوائيات والتجاوزات، يعود بالدرجة الأساس إلى انتشار البطالة بعد ان أغلقت كل المصانع أبوابها، مثلما جفت الأراضي الزراعية، وانتقال حياة الريف المتواضعة والفقيرة والتي يسودها الجهل إلى المدينة؛ لتصبح متخلفة بدلا من تمدنها ورقيها.
هنا.. يبدأ عمل الحكومة: 
ـ انشاء أسواق شعبية خاصة بكل مهنة وبكل نوع من البضاعة المباعة، وهذا أمر غير عسير التنفيذ على حكومة خدمات.
ـ والعمل على إعادة فتح المصانع المحلية ودعمها وتيسير عملها.. وهذا ليس صعبا اذا ما كانت النوايا سليمة.
ـ ودعم الفلاح عن طريق تزويده بالاراضي والاسمدة والاليات والمياه؛ ولا يمكن للحكومة ان تقف عاجزة عن تنفيذه.
ـ وبناء بيوت رخيصة للسكن ؛ يمكن ان تخفف كثيرا من وطأة ازمة السكن التي تعاني منها شرائح اجتماعية عديدة.. وكمثال على ذلك بناء مدينة الثورة (الصدر حاليا ) في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم.
ـ واعداد شروط ميسرة وملزمة للبناء وعلى أراض معدة على هذا الغرض، امر ممكن كذلك.
ـ اما تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى اراض سكنية خارج الضوابط والقوانين فهذا امر يفترص إيقافه وبقوة.
ـ اما اشغال الأرصفة وتوسيع رقعة السكن عليها، أو اشغالها من قبل الباعة الجوالين ؛ فأن هذا الامر يتطلب تعريف المواطن بحقه وحق سواه من الناس، لكي يتم اتخاذ الإجراءات الحاسمة بعدئذ، مع مراقبة المنفذين خشية وقوعهم في الرشا من جهة، وحمايتهم أمنيا من كل اعتداء وتهديد.
ـ كما ان العمل على فرض غرامات على كل من يهمل العناية بنظافة شارعه وحيه.. لا بد من تفعيل الاجراء الصارم بحقه في حال امتنع أو تقاعس عن اعمام هذه النظافة.
(العشوائيات والتجاوزات) لا يمكن وضع حد لها بالأمنيات وحدها ولا بتثقيف الناس حولها حسب؛ وإنما تكون الغرامة أحيانا ضرورية ولتكون آخر الحلول الناجعة، التي تجعل المواطن ملزما بالتنفيذ.

 
اقرأ المزيد

إن المجازر التي جرت وتجري في غزة يندى لها جبين الإنسانية، فقوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت فظائع مروعة ضد شعب مسلوبة أرضه وسط موقف دولي باهت.

وإن منظمة الامم المتحدة المتمثلة بمجلس الأمن والجمعية العامة لها يقفان موقفا ضعيفا أمام هذا العدوان الصارخ.

رغم أن المادة 99 من ميثاق الامم المتحدة قد نصت على ما يلي: للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن على أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والآمن الدولي.

وقد عمد الأمين العام للأمم المتحدة إلى دعوة مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد لاصدار قرار ينص على وقف إطلاق النار في غزة، لكن دون جدوى.

فما هو دور الأمم المتحدة في إيقاف هذه المجزرة هل تكتفي بالتنديد وتقديم المقترحات؟ هل إن ميثاق الأمم المتحدة مجرد حبر على ورق؟ لماذا تنفذ مواد هذا الميثاق اذا كانت المشكلة تتعلق بمصالح الدول الكبرى؟ وتصدر قرارات لصالح الدول الكبرى؟

بينما تتراخى إذا كانت المشكلة تتعلق بمجازر ترتكب ضد شعوب مستضعفة؟

هل نسيَّ العالم ما تعرض له مسلمو الروهينغا من مجازر في بورما عام 2017؟ بينما كانت مواقف الأمم المتحدة خجولة وليست بمستوى الطموح؟ ماذا عن المجزرة التي ارتكبها الجيش الكونغولي ضد المتظاهرين المنددين بإجراءات الامم المتحدة في الكونغو، بسبب ضعف أداء حفظ السلام المتواجدة في الكونغو منذ عشرين عاما، والتي لم تنجح في أداء مهامها في حفظ السلام في الكونغو، وكيف أن الجماعات المتمردة ارتكبت مجازر مروعة بحق المدنيين العزل دون أن تنجح قوات حفظ السلام من التصدي لها؟

ولا ننسى ما جرى في العراق بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية، وكيف ارتكبت عدة مجازر منها مجزرة ساحة النسور.

واليوم نجد أن موقف منظمة الأمم المتحدة موقف متراخٍ تجاه ما يجري في غزة من مجازر وترحيل للسكان وتشريدهم.

فلا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب المجازر في غزة، بينما تتباكى منظمة الامم المتحدة لكن دون جدوى.

كان من المفترض إرسال قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة لتكون حاجزا لحماية السكان في غزة، لكن للأسف لا تزال الحرب قائمة دون إيقاف لها.

فهل إن منظمة الأمم المتحدة التي يجب ان تعكس الإرادة الدولية عاجزة عن إيجاد الحل؟...

اقرأ المزيد
وقد أكد التقرير الذي أعدة اختصاصيون دوليون في مجال الاقتصاد والتنمية والاستثمار  يعملون في منظمات البنك الدولي 

ذات الصلة ومؤسسة التمويل الدولية أن حكومة السوداني قد تمكنت من تحفيزإقبال كبريات الشركات العالمية الرصينة في مجالات الطاقة واستثمار الغاز المصاحب والمشاريع الكبرى للبنى التحتية الستراتيجية بالمساهمة بالاستثمار الأجنبي المباشر بمبلغ  إجمالي تجاوز 24 مليار دولار خلال تسعة أشهر فقط من عمر الحكومة  وتوصل التقرير الى أن العراق خطى بحكومة السوداني خطوات مهمة وأساسية لتحقيق الطريق الأسرع والأقصر لبناء نهضة ومستقبل العراق.

والذي يهمنا هنا هو  أن نوضح وبالتقصي والتحليل مدى الجهود التي بذلتها الحكومة خلال سنة واحدة لخلق التواصل وإعادة ثقة المستثمرين الأجانب بالأجهزة الحكومية المختصة بإدارة العملية الاستثمارية في البلاد بعد معاناة العراق منذ 2003 من أزمات وتحديات اقتصادية مركبة ومتراكمة بسبب تشتت السياسات الاقتصادية وعدم وجود منهجية لإدارة الاقتصاد وعدم وضوح السياسة المالية وضعف التنسيق بينها وبين السياسة النقدية إضافة الى العجز في الإيراد غير النفطي والاعتماد بنسبة 93% من إيرادات الموازنة العامة على النفط ويشكل 65% من الناتج المحلي وعدم إعطاء دور للقطاع الخاص في صناعة القرارات الاقتصادية وبسبب الصدمتين الاقتصادية والأمنية في منتصف 2014 بسبب هبوط أسعار النفط بنسبة 70% واحتلال داعش الإرهابي لمساحة 4 محافظات يضاف الى ذلك المشاكل الهيكلية والبنيوية في الاقتصاد الوطني أدت الى عدم تحقيق الاستقرار في النظام المالي والنظام النقدي وبالتالي عدم تحقيق  الاستقرار الاقتصادي الناجز وتأمين البيئة الجاذبة للاستثمار وبالتالي سيادة الارتباك والفوضى الاقتصادية وعدم تفعيل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية التي تدعم وتحقق التنمية المستدامة لذلك لم تتمكن جميع الحكومات المتعاقبة منذ 2003 ولحين استلام حكومة محمد شياع السوداني لمسؤولية إدارة البلاد والاقتصاد من جذب الاستثمار الاجنبي المباشر لذلك تضمن المنهاج الحكومي الحالي تشخيصاً دقيقاً للمشاكل والتحديات أعلاه ورسم خارطة طريق واضحة لتجاوزها وتحفيز وتشجيع الاستثمار الخارجي والداخلي ومعالجة التوقف في المشاريع الاستثمارية والتركيز على مشاريع الطاقة واستثمار الغاز والبنى التحتية الستراتيجية.

وبعد مرور سنة واحدة على استلام الحكومة المسؤولية التنفيذية أصبحت البلاد على الطريق السليم  نحو العثور على مكانها على خريطة الاستثمار العالمية.

حيث بدأ المستثمرون ينظرون إلى ما وراء تاريخ البلاد الذي مزقته الصراعات. 

وتظهر بيانات من الأسواق أن الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بلغ رقما قياسيا قدره 24 مليار دولار كما ذكرنا سابقاً وكما نشر تقرير مهم صدر أخيراً عن البنك الدولي.

ويمكننا بثقة عالية أن نحدد خطوات النجاح الذي حققته الحكومة  في عامها الأول حيث اعتمد   السوداني أجندة تنموية قوية تهدف إلى تحسين أمن الطاقة، وتنويع الاقتصاد، وزيادة دور القطاع الخاص في المجالات الرئيسة مثل الغاز الطبيعي والتصنيع، ومعالجة الفساد.

وتشير المؤشرات والبيانات المتاحة في التقرير الدولي الصادر حديثاً الى تحقيق نتائج وخطوات مهمة لجذب الاستثمار الأجنبي وكما يلي : 

أولاً- إجراءات  الحكومة دفعت شركة سيمنز للطاقة إلى التوصل إلى اتفاق لمواصلة عملها في البنية التحتية للطاقة في العراق.  

ثانياً -مجموعة AAA للأسمدة ومقرها المملكة المتحدة  سمح لها بالبيع مباشرة للمزارعين وليس عبر الحكومة، أدى إلى خفض الأطر الزمنية للدفع. كما وقعت شركة نفط الهلال، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، عقوداً مدتها 20 عاماً لتطوير ثلاثة حقول للنفط والغاز، وبموجبها سيصل الاستثمار الأولي للمجموعة إلى مليار دولار. 

 ثالثاً- الجولة الأخيرة من العقود الاستثمارية تعتمد على اتفاقية تقاسم الإيرادات بين العراق والجهات المستثمرة.مما خلق توافقاً أفضل بكثير مع المستثمرين  وأن الحكومة أدركت الحاجة إلى الحفاظ على الاستثمار الخاص في القطاعات الرئيسة.

رابعاً-ويقوم العراق حالياً ووفقاً للسياسات الاستثمارية الجديدة للحكومة  بإعادة دمج نفسه مرة أخرى في الساحة الدولية والإقليمية. وتساعد الأونكتاد في إعادة تنشيط انضمامها المتوقف إلى منظمة التجارة العالمية، بينما أصبحت في تشرين الثاني عضواً في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. 

كما أنها تعزز العلاقات داخل الشرق الأوسط أيضا . وبين دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة دعوة العراق إلى الاقتصاد الإقليمي وأصبح  العراق أول دولة من خارج مجلس التعاون الخليجي متصلة بشبكة الكهرباء التابعة للمجموعة.

خامساً - أعلن  الكونسورتيوم القطري باور إنترناشيونال القابضة والشركات التابعة له هذا العام عن مشاريع متنوعة بقيمة 9.5 مليارات دولار في مشاريع الطاقة والمستشفيات  والسياحة.

سادساً - تسعى حكومة السوداني  والحكومة التركية إلى تنفيذ خطط طموحة لربط بلديهما عبر مشروع للطرق والسكك الحديدية (طريق التنمية) بقيمة 17 مليار دولار والذي سيربط ميناء الفاو قيد الإنشاء في البصرة بأوروبا. وفي الوقت نفسه، تخطط شراكة بين القطاعين العام والخاص تم توقيعها مؤخرا ًبين مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والحكومة لتحديث مطار بغداد.

سابعاً- من الأمور ذات القيمة الرمزية الكبيرة الاتفاق الذي طال انتظاره   بين الحكومة وشركة توتال إنيرجي الفرنسية بشأن مشروع متكامل لنمو الغاز بقيمة 27 مليار دولار، والذي يهدف إلى تحسين إمدادات الكهرباء في العراق وإزالة الكربون منها.

وأن جميع هذه الاتفاقات بين الحكومة والجهات المقبلة على الاستثمار داخل العراق ستظهر نتائجها حتماً  على أرض الواقع خلال المرحلة المقبلة والسقوف الزمنية المحددة لتحقيق نهضة العراق في المجالات كافة.
اقرأ المزيد

وقد ذهب (برتراند راسل) إلى توضيح وشرح الإطار المعرفي الأفلاطوني إذ يرى بأننا ندرك الخشونة والنعومة من خلال اللمس، ولكن العقل هو الذي يحكم على أنّهما موجودتان وانهما متناقضتان، فقط العقل يمكنه الوصول إلى الوجود، ولا يمكننا الوصول إلى الحقيقة اذا لم نصل إلى الوجود، ومن ثمَّ لا يمكننا معرفة العالم الحقيقي من خلال الحواس وحدها لأنّها يمكن أن تضللنا، عندها يمكن القول، إن المعرفة تتكون من التفكير، وليس من الانطباعات، والادراك ليس معرفة.

وقد أعدَّ أرسطو، وهو التلميذ الأبرز لأفلاطون، أن الافكار والاشكال لا يمكن فصلها عن الاشياء المادية، والمعلومات الحسيَّة، ولا يتم إنشاء المعرفة بداهة وليست فطريّة بل يتم إنشاؤها من خلال واجهتنا الحسيّة مع العالم الحقيقي، وتتم معالجتها أخيراً بواسطة أذهاننا، وقد تابع (جون لوك) هذا النهج مؤكداً أنّ الأشياء موجودة في العالم الخارجي وأن إدراكنا الحسّي هو أهم مصدر لمعرفتنا. 

وفي التناقض الحاد مع الثنائية الديكارتية بين العقل والجسد أنشأ الموروث الفكري الياباني القائم على البوذية والكونفوشيوسية منظوراً متكاملاً للعقل والجسد مع ثلاث مقدمات شاملة هي وحدانية الانسانية والطبيعة، ووحدانية الجسد والعقل، ووحدانية الذات والآخر.

إنَّ العلاقة بين المعرفة والسلطة هي علاقة غير جديدة أو طارئة، بل هي علاقة قديمة غير أن إشكالية هذه العلاقة هي إشكالية حديثة.

فمنذ أن أعلن (ديكارت) عن الحاجة أن نكون سادة على الطبيعة ونتمكن منها عبر امتلاك المعرفة، تم الاهتمام بهذا النمط من التفكير حيث لم تعد بعد ذلك المعرفة معرفة من اجل المعرفة بل معرفة تمكننا من السيطرة لتصبح قوة تمكين ونفوذ وسيطرة اي سلطة.

وسلطة المعرفة هي السلطة التي تعتمد بشكل واسع على المعرفة وفق المنظور الشامل للمعرفة والتي يكون عمادها يستند إلى القاعدة العلمية والتكنولوجية والتي تستند اليها السلطة للوصول إلى اهدافها وتفصيلاتها بحيث لا تجبر السلطة على استخدام العنف والإكراه والقمع لتحقيق تلك التفضيلات.

عندما دخل العالم في عصر الثورة الثالثة (ثورة الاتصال والمعلوماتيَّة) متخطياً من خلالها الثورتين السابقتين (الثورة الزراعية والثورة الصناعية)، فإن علامة الثورة الثالثة هي التحولات العميقة التي شهدتها كل نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

وهنا اصبحت السلطة والمعرفة احدى المفاهيم التي اخترقها هذا التحول وأعاد تركيبها من جديد في انفصال عن المفهوم التقليدي الذي كان يشرح معيار العلاقة بين السلطة والمعرفة سابقاً.

 وحسب تقديرات (الفين توفلر) في كتابه (تحول السلطة على اعتاب القرن الحادي والعشرين) فإن تطور المعارف وزيادة اتصال الافراد وتمتعهم بالتطور التكنولوجي عدل مفاهيم السلطة والمعرفة، فبات ينظر إلى زوال نفوذ مؤسسات السلطة السياسية على ضبط التدفقات المعرفية وكذلك المؤسسات التي تنتج المعرفة، ويركز توفلر في تعريفه للسلطة على تراكيب يراها ركائز للسلطة هي القوة والثروة والمعرفة، وان السلطة لا يمكن قياسها كمياً، بل يجب أن تدرس على اساس نوعي، فالقوة واستخدام الثروة من الناحية النوعية من الممكن أن يسبب الضعف للسلطة بسبب عدم مرونتها، لأنها قد تسبب مقاومة للسلطة.

أما الثروة فإن حالها افضل قليلاً من القوة والعنف لتمتعها بمرونة افضل، حيث يمكن استخدامها للمكافآت، فضلاً عن استخدامها للتهديد بالعقاب؛ لذا فهي نوعية متوسطة، اما المعرفة فهي أعلى نوعية من نوعيات ركائز السلطة، فهي التي تعد أهم المقومات الجاذبة للقوة والثروة، وهي التي تلعب دور المضاعف للقوة والثروة، والدولة التي تمتلك المعرفة تسطيع أن تستخدمها لفعل ما ترغب به (التهديد – الارغام – الاقناع – العقاب – المكافأة – جعل العدو صديقاً....الخ) بطريقة اكثر مرونة وأقل تكلفة، لذا يمتلك الحد الاقصى من السلطة أولئك الذين هم قادرون على استخدام الركائز الثلاثة للسلطة (القوة – الثروة – المعرفة) من خلال مزجها بمهارة.

إنَّ تعاظم دور التكنولوجيا والمعلومات ادى إلى ظهور تصورات تشير إلى أن القرن الحادي والعشرين، هو قرن المعرفة، وقرن القوى العاملة، لما لهذه القوى من دور في استخدام وتشكيل وانتاج المعرفة، وان هذا القرن هو قرن التحول الجديد في بنى السلطة السياسية ونوعيتها لتصبح حكومة معلوماتية تتركز بيد من يمتلك المعرفة ويتحكم بها، وان اقتصار المعرفة اصبح اليوم الشكل الاكثر تعبيراً عن قوة المجتمعات والدول التي تبحث لها عن مكان تحت شمس المستقبل لتحل المعرفة محل الاسلحة كمتغير مهم لتمثيل قوة الدول وعامل أساس لفرض إرادتها وتحقيق أهدافها.
اقرأ المزيد

وهو إجراء  تأخر كثيراً خلال الأعوام المنصرمة التي نهبت خلالها عشرات مليارات الدولارات من دون أي مساءلة، تحشيد الفعاليات الرسمية والمجتمعية احد المظاهر المهمة في مواجهة تفشي الفساد المستشري بشكل علني بلا تخوف من المساءلة والقانون، فالامر اصبح شبيها بواقع حال في اغلب المؤسسات والدوائر سواء في القطاع العام أو الخاص.

ولعل نشاط هيئة الـنـزاهـة فـي كشف ملفات الفساد ومطاردة الفاسدين وعمليات إلقاء القبض التي تطال افراداً وجماعات، ولا سيما ما يخص مسؤولين مهمين في الدولة، يؤكد توجه الحكومة الجاد في محاربة الفساد، فحسب البيانات التي اعلنت عنها الهيئة بلغت عمليات الضبط الكلية أكثر من 570 عملية منذ مطلع العام الحالي، وتم اصدار 89 أمر قبض واستقدام بحق كبار المسؤولين في الشهرين الماضيين فقط، وضع رؤية ستراتيجية تشمل اشراك المجتمع وتثقيفه للحد من الفساد، امر مهم برغم صعوبة المهمة امام تفشي فاسد مضاد يحارب من اجل مصالحه غير المستحقة على حساب المال العام ومصلحة المواطن.

لكن الاهم في سياسة الدولة في محاربة الفساد هو عقد اتفاقات مع الدول الإقليمية والدولية التي ينشط فيها المال المنهوب تهدف إلى وضع رؤية وإطار متكامل للحد من الفساد وإلقاء القبض على الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، الـعـراق إحدى الدول المنضمة لـ (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد)، و(الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، ولذلك لايمكن للغطاء السياسي أو السلطوي أن يحمي الفاسدين ممن تثبت إدانتهم بالدليل القاطع سواء كانوا خارج العراق أو داخله.

كما تحتاج الدولة العراقية أن يكون قانونها واضحا وصريحا لا لبس فيه في ما يخص تداخل الصلاحيات في توفير متطلبات التحقيق ومنح الصلاحية للجهة المختصة الوحيدة كهيئة النزاهة، فما زال بعض التداخل موجودا بين الهيئة والامن القومي، وهذا الامر قد يؤدي إلى الالتباس في التعامل مع الاجراءات القانونية مع الدول التي تنشط فيها اموال الفاسدين، بقانون مكتمل خاص بهيئة النزاهة يمكن أن تطبق المساءلة (من أين لك هذا) على الجميع وليس على فئة من دون أخرى.

واجب الحكومة والمواطن محاصرة ظاهرة الفساد، وواجب المجتمع والعشيرة رفض مظاهر المباهاة والغنى على حسب العادات والقيم والتقاليد، وواجب القضاء والدولة تطبيق القانون بصرامة على الجميع سواسية من دون محاباة أو محسوبيّة أو  جهويّة.

اقرأ المزيد
12345