منذ 2005.. ماذا غيّرت الانتخابات في العراق؟
خاون القرداغي
١ مايو ٢٠٢٥
منذ عام 2005، دخل العراق مرحلة جديدة بعد سنوات طويلة من الحروب والعقوبات والعزلة. كانت الانتخابات الأولى مشهداً استثنائياً: أصابع ملوّنة بالحبر، وجوه تملؤها الآمال، وشعور ثقيل بأن العراق يقف على أعتاب ولادة جديدة. كان التصويت آنذاك أكثر من مجرد إجراء ديمقراطي، كان إعلان حياة بعد الموت، وخطوة نحو استعادة الوطن من ركام الألم.
لكن السنوات اللاحقة أثبتت أن الانتخابات وحدها لا تكفي لتغيير مصير بلد معقد كالعراق. رغم تعاقب أربع دورات انتخابية، ورغم تغيّر الوجوه وتبدل التحالفات، إلا أن البنية العميقة للسلطة بقيت كما هي: شبكة مصالح متداخلة، محاصصة طائفية، وفساد مستشرٍ تحوّل مع الزمن إلى ثقافة أكثر منه حالة طارئة. الوجوه تغيرت مرات، الأحزاب انقسمت وتحالفت وانشقت، لكن نمط إدارة الدولة ظلَّ حبيس المحاصصة لا المحاسبة، ورد الفعل لا التخطيط، والمصالح الضيقة لا المصالح الوطنية.
من 2005 حتى اليوم، لم يحدث تغيير جوهري في طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة. بقيت الدولة بالنسبة للكثيرين مصدر وظائف وخدمات مشروطة بالولاءات، لا عقداً اجتماعياً يقوم على الحقوق والواجبات. بقي المواطن يشعر أنه متلقٍ للوعود لا صانع للقرار، مستهلكاً للسلطة لا شريكاً فيها. التعليم لم يتحسن بالشكل المطلوب، الاقتصاد ظل يعتمد على النفط بشكل مقلق، والقضاء لم يتمكن من فرض هيبته الكاملة على الحياة السياسية.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن شيئاً ما تغيّر في الوعي العام. صبر الناس على الواقع لم يعد كما كان، وحدّة النقد في الشارع العراقي أصبحت أعلى وأكثر وعياً. الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت بغداد ومدن الجنوب كانت إشارة على أن جيلًا جديدًا وُلد من رحم الخيبة، جيل لم يعش طويلاً في ظل الخوف مثلما عاش الآباء. جيل صار يعرف أن صناديق الاقتراع لا تكفي إذا لم تكن مصحوبة بثقافة محاسبة مستمرة، وبقناعة بأن الديمقراطية الحقيقية لا تبدأ ولا تنتهي بيوم التصويت، بل تمتد إلى كل يوم يعيش فيه المواطن حرّاً وكريماً.
التغيير الذي حدث في العراق منذ 2005 لم يكن بالسرعة ولا بالعمق الذي حلم به الناس، لكنه مع ذلك وضع بذرة الوعي الأولي الذي يكبر مع كل خيبة، ومع كل جولة انتخابية لم تحقق المأمول. العراق اليوم، رغم كل آلامه، مختلف عن عراق الأمس: أكثر وعياً بحقه، أشد رفضاً للاستغلال، وأقرب إلى الانفجار من أجل التغيير الحقيقي إذا استمر انسداد الأفق.
الطريق ما زال طويلاً، وربما مليئاً بالخيبات القادمة، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن العراقيين باتوا يعرفون الطريق، حتى لو تأخر الوصول.
أنا خاون القرداغي، وهذا ما استنتجته بعد سنوات من مراقبة المشهد الانتخابي العراقي