مسؤولية تلويث المناخ السياسي
أحمد عبدالسلام
٢٧ أبريل ٢٠٢٥
العلاقات العراقية السورية، علاقات إشكالية فيها أكثر من خلاف والكثير من الازمات المتراكمة مثلما فيها الكثير من الضرورات الدافعة للتعاون والتنسيق، لكن الأخطر انها علاقة لا تهم الجهات الحكومية في البلدين فقط، بل هي علاقات لها تداعيات مجتمعية في كل دولة على حدا، ولا مفر من الاعتراف بوجود انقسام شعبي وسياسي في العراق تجاه الحكم في سوريا قبل وبعد سقوط نظام بشار الأسد تصل الى حد الخلاف الطائفي عراقيا، وكذلك الخلاف بين أبناء الطائفة الواحدة.
إن علاقة بمثل هذا التعقيد، ومع التحول الكبير والسريع والصادم في سوريا بحاجة الى تعامل حكومي عراقي دقيق وشفاف، تعامل يقوم بالأساس على الوضوح والمشاركة والنقاش العام والسياسي وصولا الى تقريب وجهات النظر بين مختلف القوى للتوصل الى مخطط يحدد مسار العلاقة، ويكون موضع اجماع في الحد المقبول.
كان من الممكن ترسيم مسار العلاقة مع سوريا الجديدة عبر التداول والحوار بين الرئاسات الأربع (الجمهورية، مجلس الوزراء، البرلمان، القضاء) لتحديد موقف اولي يطرح على القوى السياسية تمهيدا للتوافق عليه، وهذه الخطوات سهلة وواضحة وهي استجابة لروح النظام السياسي وللنص الدستوري وللمصلحة العراقية العليا.
المؤسف ان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد السوداني تصرف بتفرد عال وعزلة تامة في إدارة هذا الملف بدون تداول حتى مع اقرب داعميه الذين كانوا في نفس الوقت يقاتلون في سوريا منذ سنوات ضد القوى التي امسكت اليوم بالسلطة في سوريا، مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وغيرهما، كما لم يتعامل مع هذا الملف الحساس عبر المؤسسات الدبلوماسية العراقية وباستخدام قنوات وزارة الخارجية، ما جعل تصرفاته موضع شك وريبة وتسببت باحراج الدولة العراقية واحراج السوداني نفسه شعبيا وسياسيا، ومن المؤلم ان يسمع العراقيون بمستوى اللوم والتقريع الذي وجهه الاطار التنسيقي للسوداني بعد لقائه الاعتباطي مع الرئيس السوري احمد الشرع.
لقد وضع السوداني كل ملفات الدولة العراقية ومصالحها العليا في جوف ماكنته الدعائية للانتخابات، وهو يعتقد انه قادر على احراج الإطار التنسيقي بوضعه امام الامر الواقع في خطواته الانفرادية مع سوريا كما يعتقد انه سوف يستميل القوى السنية مسبقا لدعم طموحه في البقاء بمنصبه والحصول على دعم قطري تركي، لكن اتضح ان وزن السوداني في العلاقات الدولية لا يساوي شيئا بدليل عدم احترام قطر وسوريا لسرية اللقاء وعرضه بطريقة فضائحية معيبة تمس سيادة وسمعة العراق وتظهر السوداني كفرد أعزل بلا منظومة دبلوماسية ومؤسسية يدير بها شؤون العراق.
خطوة السوداني الانفرادية أدت الى تأزيم وتلويث المناخ السياسي في العراق بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية ومن المتوقع ان تكون هذه الخطوة سببا في الانقسام وحتى التصعيد والتأزيم الأمني، وسيكون من الأفضل ان يعتذر السوداني عن خطوته غير المدروسة وعن تفرده وإنعزاليته ويتوقف عن السعي لولاية ثانية، وليتذكر السوداني ان شخصيات تاريخية مثل ونستون تشرشل قائد النصر البريطاني وهلموت كول موحد ألمانيا وقائد طفرتها الاقتصادية، خرجت من الحياة السياسية الى الابد بسبب أخطأ أصغر من فعلته هذه التي هي مجرد حلقة في سلسلة طويلة من اخطائه التي ارتكبها بسبب الغرور والتفرد.