بافل ينسج خيوط التفاهم… والسوداني يتحرك بثقة: تحالفات تُرسم بهدوء قبل 11/11
خاون القرداغي
١٣ أبريل ٢٠٢٥
للمرة الرابعة منذ توليه رئاسة الوزراء، وصل محمد شياع السوداني إلى أربيل في زيارة لا تبدو عابرة في مضمونها، خصوصاً أنها جاءت بعد سلسلة تحركات سياسية لافتة شهدتها بغداد، كان أبرزها زيارة زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، السيد بافل طالباني، الذي التقى قبل يومين رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إضافة إلى رئيس تحالف عزم مثنى السامرائي.
هذا التتابع في الزيارات والاجتماعات ليس مصادفة زمنية، بل يعكس إيقاعاً سياسياً مدروساً يُراد من خلاله إعادة ترتيب خطوط التفاهم بين بغداد وأطراف البيت الكردي، استعداداً لمرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في 11 تشرين الثاني 2025.
زيارة بافل طالباني إلى بغداد لم تكن بروتوكولية بقدر ما كانت رسالة واضحة بأن الاتحاد الوطني الكردستاني حاضر في قلب المعادلة الوطنية. يتحرك بافل بثقة كأحد أركان المعادلة الوطنية، واضعاً الاتحاد الوطني في موقعه الطبيعي ضمن مراكز التأثير. أما لقاءاته مع المالكي والعامري والسامرائي، فتُقرأ ضمن سياق أوسع من محاولات تقريب وجهات النظر مع القوى السياسية المؤثرة، سواء في الحكومة أو في البرلمان. في حين أن لقاءه مع رئيس الوزراء السوداني يحمل دلالات خاصة، إذ يندرج ضمن مسار التنسيق المتقدم بين الاتحاد الوطني والحكومة الاتحادية، لا سيما في ظل التحديات الإقليمية والدستورية القائمة.
وفي هذا المناخ السياسي، جاءت زيارة السوداني إلى أربيل لتكمل المشهد. فلقاءاته مع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني، وشخصيات أخرى فاعلة في الإقليم، تؤكد أن الحكومة الاتحادية تتعامل مع كردستان كشريك متعدد الرؤى موحد في الثوابت الوطنية، وأن هناك رغبة حقيقية في تجاوز الملفات العالقة بروح الحوار لا عبر أساليب الضغط.
السوداني، الذي يحاول تثبيت معادلة الاستقرار السياسي من خلال التوازن في العلاقة مع مختلف القوى، يبدو حريصاً على أن لا يُستدرج إلى اصطفافات ضيقة، بل يتحرك باتجاه تهدئة العواصف قبل أن تشتد. فهو يعرف أن التفاهم مع أربيل لا يكتمل دون السليمانية، وأن بناء حكومة قوية بعد الانتخابات لا يمكن أن يتم دون تفاهمات متينة مع القيادات الكردية.
من جانبها، تظهر القيادة الكردية بموقف وطني واضح، مدركة لحساسية المرحلة، ومتمسكة بحقوقها الدستورية دون أن تتخلى عن دورها في حفظ استقرار الدولة. وبذلك، تعيد القوى الكردية تثبيت مكانتها كفاعل رئيسي، لا فقط في قضايا الإقليم، بل في مستقبل العراق السياسي بأكمله.
ما يُقرأ بين السطور أن ما يجري اليوم ليس ترتيباً آنياً، بل بداية مشاورات جدية لتحالفات تمتد إلى ما بعد يوم الاقتراع. وبهدوء محسوب، تتحرك بغداد والسليمانية وأربيل نحو تفاهمات تُبنى على أساس الاحترام والتوازن، في مشهد يعكس وعياً سياسياً متقدماً، وقراءة دقيقة لمعادلات الداخل والخارج.
زيارة السوداني إلى أربيل إذن، لا تنفصل عن زيارة بافل طالباني إلى بغداد، بل تكملها. كلاهما يتحركان داخل دائرة تفاهم أكبر، ترسم ملامح مرحلة سياسية جديدة، قد تبدأ في صندوق الاقتراع، لكنها لا تكتمل إلا على طاولة الحوار.
أنا خاون القرداغي، وهذا ما قرأته بين السطور… والباقي ترويه الأيام.