الهدية الكبرى
حسن الكوفي
٤ أغسطس ٢٠٢٥
في العادة، تنشغل وسائل التواصل في العراق يوم الثاني من آب، سنويا، باستذكار حماقة صدام باجتياح دولة الكويت وما ترتب على ذلك من تداعيات خطيرة ومؤلمة قادت الى فرض حصار اقتصادي تسبب بمعاناة إنسانية كبرى استمرت 13 عشر عاما، خسر فيها العراق الكثير من إمكانياته وقدراته البشرية والمادية والأمنية وادى الى تنازلات سيادية مذلة بعد هزيمة صدام في حرب الكويت، وكان من المتوقع ان يكون استذكار هذه الحماقة أكبر هذه السنة نظرا للاهتمام الشعبي والسياسي بقضية خور عبدالله الذي تنازل صدام وعبر قرارات أممية عن حقوق العراق فيه، لكن كل ذلك لم يحدث.
لقد وضع الصداميون خطة إعلامية بسيطة تعتمد على سذاجة البعض وحسد البعض وغضب كثير من المواطنين بسبب المشاكل الخدمية من أجل حرف الاهتمام العام وتشتيت الأنظار عن يوم الكارثة التي مازال العراق يعاني من تبعاتها، اذ قامت الصفحات والحسابات التابعة لخميس الخنجر بنشر فيديو قديم لمواطن ممتعض من الهدية التي استلمها من رئاسة الجمهورية لأنها لم تكن مسدسا كما توقع او كما تربى في أحضان نظام قمعي يهدي المسدسات لمواليه وهو نهج اتبعه بعض الساسة والمسؤولين بعد عام 2003 في تقليد بائس للنظام الصدامي، وبذلك قدم الخنجر هدية كبرى للصداميين.
نشر الفيديو على نطاق واسع مدروس لتحقيق عدة أهداف، منها تغييب الاهتمام بذكرى اجتياح الكويت وقضية خور عبدالله، وكذلك التمهيد لحملة شرسة تطالب باقصاء الكرد عن منصب رئاسة الجمهورية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو هدف غير مخفي وقد أعلنه اكثر من سياسي ممن يتبنون إرث صدام في إدارة موقع الرئاسة ويحلمون بإعادة ثقافة المسدسات فهم لا يقتنعون بالهدايا الرمزية والبسيطة بل يريدون ولاء مغموسا بالقتل والدم.
المؤسف، ان بعض العراقيين الذين دعموا الفيديو كانوا يعانون أمورا كثيرة تستحق الانفعال والغضب أكثر من هدية الرئاسة البسيطة، كانوا مثلا يعيشون بلا كهرباء في ظهيرة لاهبة، وانهار القرى نضبت مياهها، وتحاصرهم النفايات، والبطالة تعرقل حياة أبنائهم، ولديهم برلمان غائب يعجز عن عقد جلسة عادية، وحكومة تفشل في تقديم موازنة وبلادهم تتعرض للانتهاكات العسكرية التركية، وعشرات المشاكل المصيرية، لكنهم فضلوا في النهاية صب غضبهم على قنينة زيت وقنينة دبس رمان والتعاطف مع شخص هو مشروع قاتل كان يتمنى الحصول على مسدس، لأنه يعرف ان هناك في بلادنا من يوزع المسدسات لأهداف انتخابية ويشجع المواطنين على قتل بعضهم البعض، ويريد من رئاسة الجمهورية الاشتراك في هذه المهزلة.