مقالة

الموصل ليست، ولم تكن في يوم من الأيام وحيدة الهوية، طوال تاريخها كانت تعددية ومتنوعة الهوية وهنا يكمن سر قوتها الحضارية، كأحد الحواضر الإنسانية الكبرى طوال التاريخ. إنها مثل الموشور الذي يعكس كل ألوان الطيف العراقي الجميل والبهاء العراقي، حيث التعددية اللغوية والثقافية والدينية، ولهذا لاينبغي أن تخبو ألوان هذا الموشور ويختزل طيفه في لون واحد أرادت داعش والجماعات الإرهابية أن تسبغه على الموصل العريقة بعراقة مكوناتها.
‎ما ينبغي علينا أن نحافظ عليه ونتمسك به هو الدفاع عن هذه التعددية وعن ثقافة التعايش والتتسامح بين الموصليين أو الموصلاويين، حتى تكون الموصل بؤرة لاستقطاب القرار الوطني العراقي السليم والصحيح. القرار الذي يعكس مصالح جميع العراقيين على قدم المساواة، دون تفضيل أو تمايز بين مكون على حساب آخر.
الموصل هي مدينة الحضارات في تاريخ العراق واسمها يدل على موقعها التاريخ وهي حلقة الوصل بين الشرق والغرب وعراقة الموصل تدل  على هويتها المتنوعة من الاطياف والاعراق وكانت موطناً وموطء قدم التجار في تاريخ العراق ولا يمكن لاي قوة ان تختزل اطياف الموصل تحت تاثير طيف واحد  ، ويتحتم علينا الدفاع عن هذه التعددية والخفاظ على هذه الثقافات المتنوعة من اللغات والاديان والاعراق وكما تفضلتم بان الموصل هو عراق مصغر باضافة الايزيدين والكاكائيين والشبك

‎إنها الموصل، صرّة العراق وسرّ بقائه موحداً حتى الآن، ويتعين على كل من يتصدى للحديث باسم الموصل أن يرقى بأفكاره وسلوكه إلى تمثيل العراق التعددي والديمقراطي أفضل تمثيل. إنها الموصل التي تأبى أن تختزل في أية ثقافة أو هوية عنصرية أو طائفية. إنها الموصل التي تعني ماضي العراق ومستقبله ككل.
‎لهذا ينبغي على من يدعى تمثيل الموصل أن يكون عراقياً أصيلاً، أن يكون عربياً وكردياً وسريانياً في آن، مسلما ومسيحياً ويزيدياً، شيعياً وسنياً، كل ذلك في سلوك واحد وفي موقف دون انحياز  سوى الانحياز للمواطنة العراقية القائمة على المساواة.
‎إن الموصل هو رهان وطنيتنا العراقية ولغزه العميق، ولهذا نحن نتصدى للمهام والتحديات التي تفرضها الحالة الانتخابية لمدينة فريدة في كل شيء مثل الموصل، ونحن نجد في ممثلينا الكفاءة السياسية والأخلاقية التي والجدارة التي تمنحهم هذا الدور بامتياز
‎من اجل هذا نهيب بجماهير شعبنا ان يحافظوا. على هذا الاطار والتعايش  لكي تكتمل صورة الموصل المزركشة بكل الوانها

اقرأ المزيد

هذه الهجمة العنصرية ولمصلحة من؟ 

بعد مطالبة رئيس الجمهورية، الحكومة الاتحادية، بدفع رواتب الموظفين والمعلمين في الاقليم و حل المسائل العالقة بين بغداد وأربيل، انبرت أصوات نشاز من هنا وهناك، لتوجه اتهامات باطلة وزائفة الى رئيس الجمهورية ونشر معلومات مظللة عنه، في وقت يعلم القاصي والداني  أن رئيس الجمهورية، ومن خلال اجتماعاته ولقاءاته حاول ولازال رأب الصدع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم للتوصل الى حل جذري لجميع المشاكل العالقة بينهما ودفع المستحقات المالية للاقليم و خاصة أن الموظفين في الاقليم، يعانون منذ أشهر من عدم صرف رواتبهم.

فهل من الجرم أن يدعو رئيس الجمهورية الى انهاء معاناة شريحة من المواطنين؟

ألم يمارس رئيس الجمهورية، الصلاحيات الممنوحة له وفق الدستور في الدفاع عن حقوق المواطنين؟

لماذا اذن هذه الهجمة العنصرية ولمصلحة من؟

فظهور هذه الاصوات النشاز، يكشف حقيقة واحدة، وهي أن أيتام النظام البائد والشوفينيين يتغلغلون في مفاصل الدولة ويتحكمون في مصائر الناس.

وطالما كانت أصوات هؤلاء العنصريين تنشر السموم وتدعو الى التفرقة العنصرية، فان حال البلد لن تكون أفضل مما عليه وان تأجيج النزعة العنصرية لا يخدم أحدا وسيجلب الويلات على البلاد و يؤدي الى تقسيم المجتمع و يشعل نار الفتنة الطائفية والقومية وسيجر البلاد الى نزاعات لا يحمد عقباها.

اقرأ المزيد

تأخر صرف الرواتب أصبح هاجسًا يؤرق حياة الموظفين في إقليم كوردستان، حيث يعتمد آلاف العائلات على هذه الرواتب لتلبية احتياجاتهم الأساسية. هذا التأخير تسبب في ضغوط اقتصادية ونفسية كبيرة، مما دفع الموظفين إلى تنظيم مظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم المالية. في خطوة جريئة، لجأ  ١٣ مدرسًا إلى الإضراب عن الطعام لمدة أسبوعين في مدينة السليمانية، كتعبير عن يأسهم واستيائهم من سوء الإدارة والفساد المالي. وعلى الرغم من انتهاء الإضراب، إلا أنه يُعد سابقة في العمل السلمي ضد الفساد الإداري والمالي في الإقليم.
جذور المشكلة
لتفهم الواقع المرير الذي يعيشه الموظفون في إقليم كوردستان، لا بد من العودة إلى جذور المشكلة. فالحكومة المحلية قامت بتعيين مئات الآلاف في وظائف حقيقية ووهمية، ليس بناءً على الحاجة أو الكفاءة، بل لشراء الولاءات السياسية. ومع تضخم عدد الموظفين، أصبحت الحكومة عاجزة عن دفع رواتبهم، خاصة مع استمرار الفساد الإداري والمالي. وبدلاً من معالجة الأزمة من جذورها، لجأت السلطات إلى قطع الرواتب منذ عام ٢٠١٤ تحت حجج مختلفة، مثل ادعاءات نقص الأموال الواردة من الحكومة الاتحادية في بغداد.
الإضراب عن الطعام: خطوة سلمية جريئة
عندما بدأ ١٣ مدرسًا إضرابهم عن الطعام، اختاروا موقعًا استراتيجيًا بالقرب من مقر الأمم المتحدة في السليمانية، مما وفر لهم حماية نسبية وجذب انتباه الإعلام والمنظمات الدولية. هذه الخطوة الذكية أظهرت عملًا جماعيًا منظمًا وحققت صدى واسعًا بين الناشطين والمدافعين عن حقوق الموظفين. بعد ١٥ يومًا من الإضراب، وبضغط من منظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة، تم إنهاء الاعتصام. ولكن ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الخطوة الجريئة؟
1.    إرادة المقاومة السلمية: أظهر الإضراب عن الطعام إرادة قوية لدى المواطنين في السليمانية لمواجهة انتهاك حقوقهم الأساسية، خاصة الحق في الحصول على رواتبهم بشكل منتظم. هذه الخطوة تؤكد أن المقاومة السلمية يمكن أن تكون أداة فعالة في ظل الظروف الصعبة، خاصة عندما تكون المطالب عادلة ومشروعة. الإضراب عن الطعام، كوسيلة احتجاج، يعكس مستوى عالٍ من الالتزام والتضحية، حيث يضع المحتجون صحتهم وحياتهم على المحك من أجل لفت الانتباه إلى قضيتهم.
2.    دعم المجتمع المدني: تلقت الحركة دعمًا واسعًا من منظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة، مما يعكس نمو الوعي بأهمية العمل الجماعي في مواجهة الفساد وسوء الإدارة. هذا الدعم ليس فقط معنويًا، بل يمكن أن يتحول إلى ضغط حقيقي على صناع القرار إذا تم تنظيم الجهود بشكل أفضل. منظمات المجتمع المدني يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تنسيق الجهود وتوثيق الانتهاكات ونشر الوعي بين المواطنين.
3.    تقاعس الحكومة: تجاهل الحكومة لمطالب الموظفين يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الأزمة. هذا الإهمال ليس فقط إداريًا، بل هو أيضًا أخلاقي، حيث يتم التلاعب بحياة المواطنين وكرامتهم. تقاعس الحكومة عن تقديم حلول جذرية يزيد من السخط والغضب بين صفوف العاملين، وقد يؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات في المستقبل إذا لم يتم التعامل مع الأزمة بجدية.
4.    تسييس القضية: حاولت بعض الأطراف السياسية والإعلامية استغلال الحدث لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية، مما أضعف القضية وحولها من مشكلة إنسانية واجتماعية إلى ورقة سياسية. هذا التسييس يشتت الجهود ويضعف الوحدة بين المحتجين، مما يعطي الحكومة ذريعة لتجاهل المطالب. من المهم أن تبقى القضية مركزة على الجوانب الإنسانية والاجتماعية، بعيدًا عن الصراعات الحزبية.
5.    الحاجة إلى التنسيق: على الرغم من النجاح النسبي للإضراب، كان بالإمكان تحقيق تأثير أكبر لو تم تنسيق الجهود بين عدة مدن ومجموعات. التنسيق بين المحتجين في مختلف المناطق يمكن أن يخلق ضغطًا أكبر على الحكومة، ويجعل من الصعب تجاهل المطالب. العمل الجماعي المنظم هو مفتاح النجاح في أي حركة احتجاجية.
الاقتراحات:
1.    تشخيص الأسباب الجذرية: يجب إجراء تحليل دقيق للأسباب الكامنة وراء أزمة الرواتب، سواء كانت سوء إدارة، نقص السيولة المالية، أو الفساد المالي والإداري. هذا التشخيص يجب أن يكون شفافًا ومعلنًا للجميع، مع تحديد المسؤوليات بشكل واضح.
2.    تعزيز الشفافية: يجب على الحكومة أن تتبنى سياسة الشفافية في إدارة الموارد المالية للإقليم. نشر تفاصيل الميزانية بشكل دوري وواضح يمكن أن يساعد في بناء الثقة بين المواطنين والحكومة. الشفافية هي الخطوة الأولى نحو محاربة الفساد.
3.    إصلاحات هيكلية طويلة الأمد: يجب إجراء إصلاحات جذرية في النظام المالي والإداري للإقليم. هذا يشمل تقليل الاعتماد على الوظائف الوهمية، وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتنويع مصادر الدخل. الإصلاحات الهيكلية يجب أن تكون جزءًا من خطة استراتيجية طويلة الأمد لضمان استقرار الوضع المالي.
4.    دعم دولي وفني: يمكن للعراق وإقليم كوردستان الاستفادة من تجارب دول أخرى واجهت أزمات مماثلة. طلب المساعدة من المنظمات الدولية، مثل منظمة العمل الدولية أو صندوق النقد الدولي، يمكن أن يوفر الدعم الفني والمالي اللازم. هذه المنظمات لديها خبرة في إدارة الأزمات المالية ويمكن أن تقدم حلولًا عملية بناءً على تجارب ناجحة في دول أخرى.
5.    تنويع مصادر الدخل: يجب على الإقليم أن يعمل على تنويع مصادر دخله لتقليل الاعتماد على الموارد المحدودة، مثل النفط. هذا يشمل دعم القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة والسياحة، والتي يمكن أن توفر فرص عمل جديدة وتزيد من الإيرادات الحكومية.
6.    حلول إنسانية عاجلة: يجب أن تتعامل الحكومة مع أزمة الرواتب كأولوية إنسانية واجتماعية. تقديم مساعدات مالية عاجلة للموظفين المتضررين، وإيجاد حلول مؤقتة مثل القروض الميسرة أو برامج الدعم الاجتماعي، يمكن أن يخفف من المعاناة حتى يتم إيجاد حلول دائمة.
7.    تعزيز الحوار بين الحكومة والموظفين: يجب إنشاء قنوات اتصال فعالة بين الحكومة والموظفين لضمان أن تكون مطالبهم مسموعة ومعالجة بشكل عادل. الحوار المفتوح والمباشر يمكن أن يقلل من التوترات ويساعد في إيجاد حلول مشتركة.
الخلاصة  
أزمة الرواتب في إقليم كوردستان ليست مجرد أزمة مالية، بل هي قضية إنسانية تمس كرامة الموظفين وحقوقهم الأساسية. يجب على الحكومة أن تتعامل مع هذه الأزمة بحكمة وشفافية، مع التركيز على الحلول العاجلة والطويلة الأمد. الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي نجحت في تجاوز أزمات مماثلة يمكن أن تكون طريقًا للخروج من هذا المأزق. فقط من خلال التعامل الجاد والمسؤول يمكن استعادة الثقة بين الموظفين والحكومة، وتجنب المزيد من التصعيد والاضطرابات.

اقرأ المزيد


الاستعراضات الإعلامية التي قدمها بعض النواب المنسيين ضد التحرك القانوني لرئاسة الجمهورية لحماية حقوق موظفي إقليم كردستان، هي استعراضات خائبة وفاشلة هدفها التملق لرئيس مجلس الوزراء والعودة الى الأضواء لأهداف انتخابية، بعدما فشل هؤلاء النواب في تقديم أي شيء لجمهورهم ومحافظاتهم.
بحسب الدستور والأعراف السياسية، يمثل عضو مجلس النواب العراقيين جميعا، أينما كانوا ومهما كانت هوياتهم او توجهاتهم، ولذلك كان الاجدر بالنواب الذين يفتعلون الغضب والدفاع عن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ان يقوموا بواجبهم الدستوري والسياسي والإنساني بالاقدام على مطالبة السوداني ووزيرة المالية بعدم استغلال رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم في المناورات السياسية والانتخابية، فهذه الرواتب هي حق دستوري وايصالها لمستحقيها ملزم بموجب قانون الموازنة، والراتب حق وليس منة ولا هدية ولا مجاملة يقدمها السوداني من وقت لآخر بحسب مصالحه.
النواب الذين حاولوا التملق للسوداني مشهورون بعدوانيتهم وممارساتهم الابتزازية وتقلبهم بين القوائم وتلونهم في الدفاع عن الزعامات بحسب مصالحهم واستغلالهم للخلافات السياسية في اشعال الفتنة بين مكونات الشعب العراقي وهم مرفوضون شعبيا، ولذلك فإن الفشل والفضيحة سيكون مصير محاولتهم لاستغلال الشكوى القضائية التي تقدم بها رئيس الجمهورية للتغطية على فشل السوداني في تقديم الخدمات للمواطنين في مختلف انحاء العراق وعدم صرف التخصيصات المالية للمحافظات والمستحقة بموجب قانون الموازنة مما أدى الى شلل المحافظين وتعطيل المشاريع الخدمية.
أراد النواب المتملقون تقديم خدمة للسوداني لكنهم في الحقيقة فضحوه واظهروه ضعيفا متخبطا، لأنهم بحكم عدوانيتهم، اختاروا مبررات غبية للدفاع عن السوداني ووزيرة المالية، إذ يتحدثون مرة عن مستحقات مالية في ذمة شركات كردية ومرة أخرى يتحدثون عن عدم تسديد حكومة الإقليم للايرادات غير النفطية، وهي كلها حجج وذرائع مرفوضة ومردودة، فما هي علاقة الموظف او المتقاعد في الإقليم بهذه المستحقات؟ ولماذا يجوع ويتعرض للضائقة لأن الحكومة الاتحادية او الوزارات تفشل في استحصال أموالها من شركات أهلية؟! ولماذا لايعاقب او يلاحق السوداني ووزيرته طيف هذه الشركات بدلا من قطع رواتب الموظفين والمتقاعدين؟!.
أما الإيرادات المالية النفطية وغير النفطية للإقليم، فهي بذمة أصدقاء وحلفاء السوداني نفسه، من كبار الشخصيات المسؤولة عن إدارة إقليم كردستان، والتواصل واللقاءات والمجاملات مستمرة بينهم، فإذا كان هؤلاء المسؤولين قد استحوذوا على شيء من أموال الدولة مهما كان صغيرا فعلى السوداني محاسبتهم قانونيا مثلما يجب ان يحدث مع أي مسؤول في ذمته مال عام، الا اذا كان السوداني يخاف من مسؤولي الاقليم.
على النواب الذين يدعون حرصهم على أموال العراق، مساءلة السوداني ووزيرة المالية طيف سامي في البرلمان عن سبب تهاونهم وتساهلهم مع بعض الشركات التي بذمتها أموال للدولة كما يدعون، وعن سبب عدم اتخاذ إجراءات قانونية بحق المسؤولين عن عدم تسليم إيرادات الإقليم للحكومة وليس محاربة الموظفين والمتقاعدين في الإقليم بقطع رواتبهم، فهذه السياسات لا تنفع الدولة ولا تنفع المواطنين وتثير الفتنة بين مكونات العراق، لكن الشيء الجيد ان هؤلاء النواب العدوانيين اصبحوا مكشوفين للشعب الذي يسخر من مواقفهم المفتعلة واصواتهم الخائبة التي لم تقدم شيئا نافعا.

اقرأ المزيد

لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط ساحة للصراعات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث عانت شعوبها من تداعيات هذه النزاعات التي غالبًا ما تحكمها "قوانين القوة" بدلاً من "قوة القوانين". في هذا السياق، استخدم الأمير حسن بن طلال في إحدى مقابلاته التلفزيونية عبارة "قوة الحق أم حق القوة" لوصف الوضع في الشرق الأوسط، وهي عبارة تعكس بعمق واقع القضية الكوردية، التي ظلت لعقود طويلة بين مطرقة الأنظمة القمعية وسندان الصراعات الداخلية. فما الذي يمكن أن يتعلمه الكورد من هذا التناقض بين "قوة الحق" و"حق القوة"؟ وكيف يمكنهم توظيف هذه المبادئ في نضالهم من أجل مستقبل أفضل؟

 

الکورد و"قوة الحق": نضال مشروع يتجاوز الجغرافيا"
يشير مفهوم "قوة الحق" إلى الإيمان بأن العدالة والحقيقة تحملان قوة ذاتية للتغيير، حتى في مواجهة التحديات والعقبات. تستمد هذه القوة مشروعيتها من المصداقية والأخلاق، ومن القدرة على إقناع الآخرين بالحجة والمنطق. هذه القوة لا تعتمد على العنف أو الإكراه، بل على الحقائق والمبادئ الراسخة. يستند النضال الكوردي، منذ بدايات القرن العشرين، إلى مبدأ "قوة الحق"، حيث سعت الحركات الكوردية إلى الاعتراف بحقوقها القومية والثقافية والسياسية.

أمثلة حية على قوة الحق تتجلى في نضال نيلسون مانديلا ضد نظام الفصل العنصري، حيث قاد شعبه نحو الحرية رغم سنوات السجن والمعاناة، منتصرًا بالعدالة على قوى الظلم. وقد جسد هذا المبدأ في تعامله مع القضية الفلسطينية والکوردية في ترکيا. ومثال آخر هو إسماعيل بشيكجي، عالم الاجتماع التركي، الذي دافع عن حقوق الكرد في تركيا رغم السجن والتضييق، مجسدًا بذلك التزامًا أخلاقيًا نابعًا من الإيمان بعدالة المطالب الکوردية.

مفهوم "حق القوة"
على النقيض، يرتكز "حق القوة" على فكرة أن القوة المادية — عسكرية كانت أو اقتصادية أو سياسية — تمنح الشرعية للهيمنة والسيطرة. هذا المبدأ يبرر استخدام القوة لفرض الإرادة، حتى إن تعارضت مع مبادئ العدالة. في الشرق الأوسط، تجلت "حق القوة" في الاستعمار الذي استغل موارد الشعوب، وفي الأنظمة الديكتاتورية التي قمعت حريات شعوبها، وفي تدخلات القوى الكبرى التي فرضت هيمنتها على الدول الضعيفة.

عانى الكورد، كغيرهم من شعوب المنطقة، من نتائج "حق القوة"؛ قُسموا بين دول متعددة (اتفاقية سايکس بيکو 1916) مرورا بحملة الانفال (1987-1989)، وانتهاءً بسياسات التهجير القسري في مناطق متعددة، كان "حق القوة" هو السلاح الذي استخدمته الأنظمة ضدهم.

لكن المشهد الكردي نفسه ليس بعيدًا عن تعقيدات "حق القوة"، إذ شهد انقسامات داخلية بين الأحزاب والجماعات، حيث سعت بعض الأطراف لفرض سيطرتها بوسائل القوة، متجاهلة مبدأ الوحدة على أساس العدل. في الوقت الذي ناضل فيه الكورد ضد أنظمة استبدادية، تحوّلت بعض القوى الكوردية إلى تبني ذات الممارسات التي عانوا منها، عبر فرض سياسات قمعية واحتكار السلطة، بل والتورط في تحالفات مع قوى استعمارية، مما أضعف موقفهم الأخلاقي أمام المجتمع الدولي. فكيف يمكن للكورد أن يدافعوا عن حقوقهم وفق "قوة الحق"، بينما يمارس بعضهم "حق القوة" داخليًا؟

نحو مستقبل مشرق عبر "قوة الحق"


رغم الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها بعض القيادات الكوردية في الماضي، الا أن الوقت قد حان لتصحيح المسار. يكمن الحل في التمسك بالمبادئ الأخلاقية في المطالبة بالحقوق، والدفاع عن المظلومين، ورفض الفساد والظلم، والعمل بشجاعة لتحقيق العدالة. أي لا بد للکورد من تبني استراتيجية قائمة على "قوة الحق" وليس "حق القوة"، لأن الشرعية الأخلاقية والسياسية أكثر استدامة من أي مكسب مؤقت يتحقق بالقوة. يمکن تحقيق ذلک من خلال:

  1. الوحدة الداخلية بدلًا من الانقسامات: لا يمكن لأي حركة تحررية أن تنجح دون وحدة صفوفها، والدرس الأكبر الذي يمكن تعلمه من التجارب التاريخية هو أن الكورد لن يحققوا مكاسب دائمة ما داموا متنازعين فيما بينهم.
  2. تعزيز الشرعية السياسية عبر المؤسسات: على الكورد أن يسعوا لبناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، قائمة على العدالة والمشاركة الشعبية، بدلًا من بناء أنظمة تحكمها المصالح الضيقة.
  3. تعزيز التحالفات الدولية عبر المبادئ، لا المصالح العابرة: يمكن للكورد كسب الدعم الدولي من خلال تقديم أنفسهم كنموذج للاستقرار والتعددية والديمقراطية، وليس فقط كقوة عسكرية في معادلات الصراع الإقليمي.
  4. رفض الاستبداد أينما كان: لا يمكن للكرد أن ينادوا بالعدالة لأنفسهم بينما يدعمون أنظمة استعمارية أو استبدادية في أماكن أخرى، فالمبادئ لا يمكن تجزئتها.

تحقيق العدالة قد يكون طريقًا طويلًا، لكنه يستحق الجهد والصبر. "قوة الحق" ليست مجرد شعار، بل هي رؤية وإستراتيجية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في كوردستان، وبناء مجتمع أكثر استقرارًا وعدالة، وكسب احترام العالم.

الخاتمة
الصراع بين "قوة الحق" و"حق القوة" ليس مجرد جدل فلسفي، بل هو جوهر القضية الكوردية منذ زمن طويل. في كل مرة اختار فيها الكورد "قوة الحق"، اكتسبوا تعاطفًا ودعمًا دوليًا، وعندما وقعوا في فخ "حق القوة"، فقدوا الكثير من مكاسبهم. إن بناء كوردستان قوية ومستقرة لا يتحقق عبر الهيمنة والاقتتال والمنافسة الداخلية، بل من خلال إعلاء مبادئ العدل والحرية، وتعزيز روح الوحدة والتعاون، لأن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح أو السلطة، بل في عدالة القضية والمصداقية في الدفاع عنها.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم للكورد اليوم: هل نريد أن ننتصر بقوة الحق، أم نكرر أخطاء الماضي ونسقط في فخ حق القوة؟

 

اقرأ المزيد

عام 2003، وقفت مع النائبة البريطانية السابقة آن كلويد في مقبرة جماعية بالقرب من بغداد، المكان الذي سُرقت فيه ارواح الآلاف من الابرياء على يد النظام البائد للطاغية صدام حسين، ومن بين الجرائم صورة واحدة بقيت معلقة في ذاكرتي، شعر لطفلة، كان قد تم ربطه بشريط أحمر ومغطى بالطين. كانت هذه المقبرة بالقرب من منطقة المحاويل، والتي تعتبر واحدة من أكبر المقابر الجماعية في المنطقة، منذ سقوط نظام صدام، حيث تم العثور على رفات أكثر من 15 الف ضحية في تلك القبرة. 
كان فتح المقبرة الجماعية بمثابة تذكير بالفظائع التي حدثت في العراق وحزن ذوي ضحايا الأنفال الذين كانوا يبحثون عن أخبار مؤنفليهم.
بعد عقدين من الزمن، وجدت نفسي مرة أخرى في صحراء تل الشيخية في محافظة المثنى جنوب العراق، امام مقبرة جماعية تضم رفات اكثر من 100 امرأة وطفل من الاكراد المؤنفلين. وعلى بعد أمتار قليلة تم اكتشاف ثلاث مقابر جماعية أخرى وتحديدها على أنها ربما تكون لضحايا عملية الانفال ايضا، وبهذا يكون هذا الموقع هو واحد من اكبر مناطق المقابر الجماعية، ان هذا الاكتشاف دليلا على وحشية حملات الإبادة الجماعية التي شنها النظام البائد، ودعوة لتكريم واحترام عائلات الشهداء وتضحياتهم. 
تُظهر الفحوصات الجنائية الأولية للمقابر الجماعية عن صور مروعة للحظات الأخيرة من حياة الضحايا. وتشير الأدلة إلى أن الضحايا تعرضوا لإطلاق النار من الجانبين ومن الأعلى، وتبين لنا بقايا الرُفات أن الكبار قد بذلوا جهوداً يائسة بأجسادهم لحماية الأطفال من الرصاص.
إن عملية الأنفال هي واحدة من أحلك فترات التاريخ الحديث، حيث تشير المصادر إلى اعتقال 182 ألف كردي وآشوري وشبكي وتركماني وشيعي، وتدمير 4500 قرية، وفي غضون أشهر قليلة من عام 1988، شَنَ النظام البعثي حملة إبادة جماعية ضد الأكراد العراقيين بحجة اخماد ثورة المتمردين. الذين تم تهجيرهم وقتلهم، واليوم أصوات الضحايا تطالب بالاعتراف والعدالة، لكن الطريق إلى العدالة ليس سريعاً وسهلاً. فمنذ عام 2019، لم يتم فتح سوى مقبرتين جماعيتين كبيرتين، وهناك عدد لا يحصى من الضحايا لايزالون تحت الأرض. 
إن عملية اختبار الحمض النووي وتحديد هويته ومطابقته هي عملية مفصلة ومعقدة وتتطلب خبرة دقيقة وجهدًا لا يعرف الكلل، لأول مرة سيتم التعرف على هوية ضحايا الأنفال بجهود الفريق الوطني المختص المتمثل بدائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء ودائرة الطب العدلي في وزارة الصحة بالتعاون مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين وعدد من الخبراء، ويشرف مكتبنا على العملية بشكل مباشر. حتى الآن تم جمع 1200 عينة دم من ذوي ضحايا الأنفال في كلار وجمجمال وكوية، من مجموع 1600 عائلة سجلت في العملية.
رغم هذه التحديات، فإن أولويتنا هي إعادة الرفات إلى عائلاتهم ودفنهم وتكريمهم بمراسم تليق بتضحياتهم، ومعرفة أن ضحايا الحرية لم ولن يُنسوا.
العراق ليس وحده في هذه القضية المروعة، فقد تم اكتشاف مقبرة جماعية مؤخرا بالقرب من دمشق في سوريا، تحتوي على رفات الآلاف من ضحايا نظام بشار الأسد، وكما هو الحال في العراق، تكافح سوريا الآن لتحديد هويات الضحايا، والبحث عن الأدلة، وتحقيق العدالة لذويهم.

ولكن هذه المهمة لاتخلو من العقبات، فقد أعاقت الاوضاع السياسية تقدم العراق، ولكن وكما وعدت أسر الضحايا، فإننا سنستمر في بذل الجهود، لايزال الطريق امامنا طويل. وعلينا الحفاظ على هذه الأماكن لتكون شاهداً وتحذيراً للأجيال القادمة من عواقب الظلم والقمع.
لقد تركت مذبحة الأنفال دروساً وعبراً تتردد أصداؤها خارج العراق. فالمقابر الجماعية انعكاساً لمعاناة الشعوب التي تعاني العنف والقمع والتي حولت الأنظمة الاستبدادية أراضيها إلى مقابر صامتة.
مسؤوليتنا المشتركة هي حفظ هذا التاريخ ومواصلة العمل على منع تكرار هذه الفظائع.
عندما وقفت في صحراء تل الشيخية، شعرت بآلام الضحايا وما عانوه. ان عائلاتهم تستحق ماهو اكثر من التعاطف انهم يستحقون العمل الجاد والفعلي فهذا العمل لايتعلق بالماضي فحسب، بل بالمستقبل أيضا.
كل من كان ضحية لهذه المقابر الجماعية هو دليل على ثمن الصمت والتقاعس، علينا أن نروي قصصهم وأن نخلد تضحياتهم إلى الأبد في ضمير الإنسانية، سنحافظ معاً على هذه الذكرى ونحقق العدالة ونبني مستقبلا لا يتشبث فيه الأبناء بأمهاتهم خوفا.
المصدر: مجلة نيوزويك  
 

اقرأ المزيد

مرة أخرى يعود التذبذب في سعر صرف الدولار الأمريكي الى الواجهة وهذه المرة بفعل المضاربين وتجار الأزمات والحروب مستغلين الحرب التي يشنها حاليا الكيان الصهيوني على شعبنا العربي في فلسطين ولبنان والأوضاع الأمنية المربكة جراء ذلك.
حيث يتراوح مستواه حاليا فوق الـ 1500 دينار في السوق السوداء، 
وأن استمرار هذه الإشكالية بين فترة وأخرى يمكن أن نعزيه الى عدة أسباب، منها قبل 2023 عدم السيطرة على تنظيم تمويل التجارة الخارجية وعدم وجود سياسة تجارية واضحة، وتشابك السياسات وعدم وجود منهاج استيرادي سنوي للقطاع الخاص بالكميات وبالمبالغ، وإنما الاستيرادات مفتوحة وبدون ضوابط للتحويلات الخارجية".
إضافة الى "عدم السيطرة على الاستيرادات غير المشروعة والمنافذ الحدودية غير الرسمية، فضلاً عن وجود نحو 1200 محل صرافة منتشرة في جميع المحافظات غير مجازة من البنك المركزي تتعامل بالدولار النقدي ونحو 12000 منفذ لصرف رواتب المتقاعدين والرعاية الاجتماعية تتعامل بتداوله بسعر الصرف في السوق السوداء".
وأن "أغلب التجار الذين يحصلون على الدولار الأمريكي بالسعر الرسمي من البنك المركزي، لكنهم يبيعون بضاعتهم في السوق المحلية بسعر السوق السوداء، وكذلك عدم وجود بنوك مراسلة عالمية سابقاً تتعامل مع مصارفنا ولم يتم فتح حسابات لها بعملات الدول التي لدينا تبادل تجاري واسع معها كالصين والهند وتركيا والإمارات".
كذلك "عدم التزام التجار وبعض المصارف بالمعايير المصرفية الدولية التي تضمن وصول الدولار الى المستفيد النهائي، لذلك انصبت جهود البنك المركزي والحكومة في 2023 على رسم استراتيجية للإصلاح المالي والمصرفي لغرض السيطرة على استقرار سعر الصرف".
"من بين محاور هذه الاستراتيجية، تنظيم تمويل التجارة الخارجية وبناء تفاهمات دولية جديدة مع البنوك العالمية وفتح حسابات لمصارفنا في البنوك المراسلة حيث تم فتح أكثر من 30 حساباً لدى البنوك الأمريكية والصينية والاماراتية والتركية والهندية، ونتوقع خلال الشهرين المقبلين أن يرتفع عدد المصارف العراقية التي لديها حسابات في البنوك المراسلة بسبب الجهود التي يبذلها البنك المركزي في تقديم العون والمساعدة لها والتنسيق مع البنوك المراسلة المستهدفة.
و"فتح التعامل مع العملات المحلية كاليوان الصيني واليورو الأوروبي والدرهم الاماراتي والليرة التركية والروبية الهندية في التحويلات الخارجية بهدف تقليل الطلب على الدولار الأمريكي، إضافة الى اتخاذ الإجراءات بالتعاون بين البنك المركزي والحكومة بالتوسع الشامل في التحول الرقمي من الاقتصاد النقدي الى الاقتصاد الرقمي وتحفيز استخدام أدوات الدفع الإلكتروني وتهدف هذه الاستراتيجية "الضغط على المضاربين  المتعاملين بالدولار النقدي  في السوق السوداء والحد من نشاطاتهم المضرة بالاقتصاد الوطني، وهو ما تمت مناقشته في اجتماعات  رئيس مجلس الوزراء الاقتصادية المتخصصة وبحضور وزير المالية ومحافظ البنك المركزي والمستشارين ومدراء المصارف الحكومية  والأهلية.
ولا بد من الإشارة هنا الى  أن "توفر احتياطيات نقدية أجنبية للبنك المركزي تتجاوز 100مليار دولار واحتياطي من الذهب يتجاوز 143طناً، يؤكد أن الدينار العراقي سيتعافى وأنه قوي، كون العملة المحلية في التداول مغطاة بالاحتياطي النقدي الأجنبي، اضافة الى أن الإجراءات التنفيذية الاخرى بدعم وتحفيز المنتج المحلي وضبط الرقابة على السوق النقدية والسوق التجارية من شأنها السيطرة على سعر الصرف كما أتوقع خلال الفترة القريبة القادمة".

اقرأ المزيد
الصراع السياسي والتفكير النقدي وجهان لعملة واحدة. فالتفكير النقدي هو القدرة على تحليل المعلومات وتقييمها، وهو أمر ضروري للمشاركة الفعالة في الحياة السياسية. من خلال التفكير النقدي، يمكننا تقييم الحجج السياسية وتحديد المعلومات المضللة واتخاذ قرارات مستنيرة.
يمكن أن يؤدي الصراع السياسي إلى تعزيز التفكير النقدي من خلال تحفيز الناس على التفكير بعمق في القضايا السياسية. عندما نواجه آراء مختلفة، فإننا نحتاج إلى تقييم الحجج الداعمة لهذه الآراء. هذا يمكن أن يساعدنا على تطوير فهمنا للقضايا السياسية واتخاذ قرارات أكثر استنارة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الصراع السياسي إلى خلق فرص للتعلم والنمو. عندما نتعرض لأفكار جديدة، فإننا نحتاج إلى إعادة تقييم أفكارنا الخاصة. هذا يمكن أن يساعدنا على تطوير فهمنا للعالم وأنفسنا بشكل أفضل.
ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الصراع السياسي أيضًا إلى إعاقة التفكير النقدي. عندما نشعر بالتوتر أو الغضب، يمكن أن يكون من الصعب التفكير بوضوح. هذا يمكن أن يجعلنا أكثر عرضة للتأثير من المعلومات المضللة أو اتخاذ قرارات متسرعة.
من المهم أن نكون على دراية بالتحديات التي يمكن أن يمثلها الصراع السياسي للتفكير النقدي. ومع ذلك، يمكن أن يكون الصراع أيضًا قوة إيجابية يمكن أن تساعدنا على النمو والتعلم.
فيما يلي بعض الطرق التي يمكن أن يساعد بها التفكير النقدي في الصراع السياسي:
يمكن أن يساعدنا التفكير النقدي على تقييم المعلومات بشكل أكثر دقة. عندما نواجه معلومات حول قضية سياسية، يمكن أن يساعدنا التفكير النقدي في تحديد مصدر المعلومات ومدى مصداقيتها.
يمكن أن يساعدنا التفكير النقدي على تحليل الحجج بشكل أكثر فاعلية. عندما نسمع حجة سياسية، يمكن أن يساعدنا التفكير النقدي في تحديد نقاط القوة والضعف في الحجة.
يمكن أن يساعدنا التفكير النقدي على اتخاذ قرارات أكثر استنارة. عندما نواجه خيارات سياسية، يمكن أن يساعدنا التفكير النقدي في تحديد الخيار الأفضل بناءً على المعلومات المتاحة لنا.
من خلال تطوير مهارات التفكير النقدي لدينا، يمكننا أن نكون مواطنين أكثر فاعلية في الصراع السياسي. يمكننا أن نساهم في حوار أكثر فائدة واتخاذ قرارات أكثر استنارة.
اقرأ المزيد
تُعد الصحافة في العراق جزءاً لا يتجزأ من الحياة العامة، حيث كانت ولا تزال نافذةً مهمةً على العالم وأداةً لنقل الحقيقة والتواصل بين مختلف فئات المجتمع. 

يصادف عيد الصحافة العراقية في الخامس عشر من حزيران كل عام، ليكون مناسبة للاحتفاء بإنجازات الصحافة العراقية، وتقدير جهود الصحفيين الذين بذلوا جهوداً كبيرة لنقل الأخبار وتوثيق الأحداث رغم التحديات الجسيمة. 

تعود جذور الصحافة العراقية إلى القرن التاسع عشر، مع إصدار جريدة “الزوراء” عام 1869، وهي أول جريدة تصدر في العراق خلال العهد العثماني. منذ ذلك الحين، شهدت الصحافة العراقية تطورات كبيرة، فقد زادت عدد الصحف والمجلات، وتنوعت أساليب التغطية الإخبارية لتشمل الأخبار السياسية والاجتماعية والثقافية. حققت الصحافة العراقية إنجازات هامة على مدار تاريخها، ولعل أبرزها ما شهدته الصحافة العراقية من تطور ملحوظ في نوعية وسائل الإعلام، حيث تنوعت بين الصحف اليومية والأسبوعية، والمجلات، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الإلكترونية في العصر الحديث. كما لعبت الصحافة الاستقصائية دوراً بارزاً في كشف العديد من قضايا الفساد والانتهاكات، ما عزز دور الصحافة كسلطة رابعة تراقب أداء السلطات الأخرى. بعد سقوط النظام السابق عام 2003، شهدت الصحافة العراقية طفرة في حرية التعبير، مع صدور العديد من الصحف والمجلات المستقلة، وتأسيس قنوات فضائية ومواقع إلكترونية متعددة وأبرزها على صعيد شبه رسمي والمتمثل شبكة الإعلام العراقي وصحيفة الصباح. وفي ظل هذا الألق الصحفي لم تكن الصحافة العراقية بعيدة عن مواجهة التحديات، فخلال فترات مختلفة من التاريخ العراقي، تعرضت الصحافة للرقابة الشديدة والقمع، خاصة خلال فترة حكم صدام حسين، حيث كانت الصحف تخضع لرقابة صارمة، وكانت المعارضة تعاني من التهميش والقمع واستمرت في بعض الحالات حتى بعد تلك الحقبة من توسع حرية الصحافة بقي الصحفيون يواجهون مخاطر مختلفة. إضافة إلى ذلك يعاني قطاع الصحافة من ضغوط اقتصادية كبيرة، حيث يعتمد العديد من الصحف على التمويل الخارجي، ما يؤثر على استقلاليتها، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى التمويل اللازم لاستمرار الصحف والمجلات. وضمن هذه المحطات التي أسهمت في بزوغ الصحافة العراقية، وعمل على ارتقائها العديد من الصحفيين الذين نذكر منهم، (توفيق السويدي) أحد رواد الصحافة العراقية، والذي أسس صحيفة “العراق” عام 1908، ولعب دوراً كبيراً في تطوير الصحافة العراقية خلال فترة الحكم العثماني. وكذلك (جعفر الخليلي) الذي أسس مجلة “الهلال” الثقافية، وكان من أبرز الكتاب والصحفيين، الذين أثروا الحياة الثقافية في العراق. وأيضاً من الأسماء البارزة في الصحافة الحديثة (صباح ياسين)، الذي أسس عدة صحف ومجلات، وساهم في تعزيز حرية التعبير بعد عام 2003. وكذلك الصحفي (حسين عبدالله حسين)، الذي أسس جريدة “النهار” العراقية، وكان من المدافعين عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان. وصولاً للصحفي البارز (أحمد عبد الحسين)، الذي يترأس هيئة تحرير صحيفة الصباح، الذي عرف بأسلوبه الفريد والموضوعي في عرض الأخبار والمقالات وتحليل الأحداث بعمق وموضوعية والتزامه بالمعايير الأخلاقية. إن عيد الصحافة العراقية هو مناسبة للاحتفاء بتاريخ طويل من العمل الجاد والجهود المضنية، التي بذلها الصحفيون لنقل الحقيقة وخدمة المجتمع. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهتها الصحافة العراقية، فإنها استطاعت تحقيق إنجازات هامة جعلتها تحتل مكانة بارزة في العالم العربي. ومع استمرار التحديات، يبقى الأمل معقوداً على الأجيال الجديدة من الصحفيين لمواصلة المسيرة وتحقيق المزيد من الإنجازات.
اقرأ المزيد
للاتحاد الوطني الكردستاني استراتيجية متكاملة وشاملة تجاه كركوك ، تراعي الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتعايش بين مكوناتها وكان ولايزال يسعى إلى تحقيق رؤية مستقبلية تجعل من كركوك مدينة مستقرة ومزدهرة، تلعب دورًا محوريًا في استقرار وتنمية إقليم كردستان والعراق ككل.
منذ تأسسه في عام 1975 ، وبروزه كقوة سياسية رئيسية على ساحة النضال التحرري الديمقراطي في العراق وكردستان، اعتبر الاتحاد الوطني الكردستاني كركوك جزءاً مهماً من أهدافه الاستراتيجية وفقا للسياقات التاريخية حول عراقيتها وبهويتها كردستانية مع حماية تنوعها المكوناتي، ورؤيته تتلخص في الحفاظ على المدينة كمنطقة تتمتع بالأمن والاستقرار، حيث يمكن لجميع المكونات العيش بسلام ومشاركة السلطة والثروة بشكل عادل .
عند مراجعة المحطات التي كانت ادارة المحافظة في ذمة الاتحاد الوطني المتمثلة بالمحافظ نجد ان الفترة كانت ذهبية بامتياز من حيث تعزيز التاخي ومواجهة الارهاب وتقديم افضل الخمات للمحافظة بلاتمييز واستثناء.
مع انتخاب رئيس "قائمة كركوك ارادتنا " كمحافظ جديد ضمن استحقاق ديمقراطي ووطني للاتحاد الوطني الكردستاني، تنتهي سبع سنوات من ادارة صعبة ومشبوهة للمحافظة من قبل محافظ بالوكالة الذي لم يستفد من فرص تلك السنوات لاقامة ادارة متوازنة والمساواة في تقديم الخدمات وقد مارس سياسات مشبوهة تدخل في خانة التعريب بامتياز اضافة الى خلق حالة يأس عند المكون الكردي وتسهيل عملية مغادرتهم لكركوك مع حملات نقل ملاكات كبيرة الى كركوك لتغيير طابعها الديمغرافي.
امام المحافظ الجديد ريبوار طه وهو شخصية متزنة وجريئة و ذو خلفية قانونية و نيابية تحديات جمة لكنه ليس وحيدا بل خلفه قوة وطنية متمثلة بالاتحاد الوطني اضافة الى اغلب قيادات ائتلاف الدولة وكذلك الاعضاء المصوتين له في المجلس وهو يحمل رسالة سلام واطمئنان للكركوكيين جميعا بان تعزيز التعايش والتاخي والمشاركة بين جميع المكونات من صلب مهامه وايضا العمل من اجل خدمة كركوك واعمارها وازدهارها واقامة الحكم الرشيد فيها وانه سائر على خطى ونهج الرئيس الراحل مام جلال وتوجيهات الرئيس بافل طالباني في اضفاء روحية الوحدة والتعايش والتآزر على كركوك وحمايتها من الصراعات وحل مشاكلها وجعلها نموذجا يحتذى .
النتائج خير من التوقعات والمزايدات وتعرف الامور بخواتيمها وهذا مارايناه في الصبر الثوري والاستراتيجي للاتحاد الوطني في كيفية تعاطيه مع تحديات تشكيل ادارة كركوك ومحافظها ومثلما قال الرئيس مام جلال "ان المستقبل للقيم النبيلة" فقد عادت كركوك الى مسارها الوطني واصبحت الان في ايد امينة لبسط القيم النبيلة.
تحية لكل من ساهم ويساهم في انجاح مهام الادارة الجديدة بمشاركة جميع المكونات ولكل من يرسخ سياسة باقة الورد للتعايش والتاخي بين الكركوكيين البسلاء من الكرد والعرب والتركمان والكلدواشوريين .
اقرأ المزيد
يعد الحوار من أسمى وسائل التواصل الحضاري بين مكونات المجتمعات المتحضرة، فهو يعزز التماسك الاجتماعي بين الثقافات المختلفة ويزيل العقبات والالتباس ويقرب الرؤى ووجهات النظر بين الأطراف المختلفة.
ولقد كان لي شرف المشاركة في ملتقى الحوار العربي الكردي المنعقد في بغداد في ٧/٢٩ بإشراف  و رعاية كريمة من لدن  فخامة رئيس الجمهورية العراقية الدكتور عيد اللطيف جمال رشيد .
حيث قدم فيه العديد من الكلمات القيمة من ممثلي الدول والشخصيات المرموقة في العالم العربي،  إضافة إلى تقديم العديد من البحوث والأوراق البحثية المثمرة في ثلاث محاور مختلفة كانت لي   فرصة المشاركة في محور الشخصيات الكردية المؤثرة في الحضارة والثقافة العربية  ببحث معنون بالمرأة في الفكر التنويري للعلماء الكرد ، قاسم امين والملا محمد جليزادة الكويي انموذجا. 

ان الملتقى الذي عقد في بغداد هو الملتقى الثالث من نوعه بين المثقفين الكرد والعرب بعد ملتقى التأسيس في السليمانية والملتقى الثاني في بغداد العاصمة ، والذي تم فيه وضع اللبنات الأساسية  لمركز الحوار العربي الكردي  من أهداف ورؤى  وفعاليات والتي اشتملت على دعم الإنتاج الثقافي والفكري والأدبي والبحثي و إبراز التراث العربي والكردي واستكشاف المواهب الإبداعية ودعمها، تدعيم اواصر العلاقات الثقافية والروابط المشتركة بين المثقفين ، تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع، العمل على نشر الثقافة الكردية في المجتمعات العربية وبالعكس وغيرها من الأهداف الجليلة . 

و لفكرة التواصل والتحاور هذه  جذور مباركة  كانت من بواكير الحضور السياسي الكردي والثقافي في بغداد عاصمة العراق الحديث  مطلع العشرينات من القرن الماضي  عبر محاولات الرعيل الاول من النخبة الكردية في بغداد وكانت البداية  بتدشين تجربة الصحافة الكردية الرائدة من بغداد سواء الصحافة الرسمية مثل صحيفة فهم الحقيقة(تێگەیشتنی ڕاستی) الشقيقة لصحيفة لغة العرب. او الصحافة الاهلية مثل صحيفة (بانگى كوردستان - نداء كردستان) او عبر تأسيس انشطة و فعاليات ثقافية ذات مغزى وطني رحب مثل نشاطات نادي الارتقاء  الكردي ( یانەی سەرکەوتنی کوردان ) وغيره. 
وفي تلك  الاجواء الواعدة من عمر الدولة العراقية الجديدة كتب  المناضل الكبير إبراهيم احمد من ابرز رموز الحركة الكردية والحركة الثقافية في كردستان كتيبا بعنوان الأكراد والعرب اكد فيه على اهمية التلاحم بين الأمتين العربية والكردية في نضال مشترك داعيا الى توثيق عرى صداقة متينة واخوة تعززها الاقرار بالحقوق المتساوية للمكونين العريقين. 
وكان الرئيس الخالد مام جلال بصفته مناضلا ثوريا و زعيما كرديا تقدميا  و أحد الآباء المؤسسين للعراق الديمقراطي الاتحادي  يؤكد في خطاباته السياسية الثرية و مواقفه الوطنية الفعلية  على ضرورة التحاور والعمل المشترك بين المثقفين العرب والكرد، و نادى باصرار بهذه الفكرة البناءة اثناء جولات الحوار العربي الكردي في القاهرة عام ١٩٩٨ و في مهرجانات استذكار الجواهري شاعر العرب الاكبر في السليمانية عام ٢٠٠٠ وفي بغداد بعد انعتاقها من نير الدكتاتورية والاستبداد عام ٢٠٠٣ . 
و تمتينا وتواصلا لهذه المسيرة الغنية وتطويرا وإثراء لها فأن مبادرة  فخامة رئيس الجمهورية بتأسيس مركز للحوار العربي الكردي تأتي كخطوة فعلية  جادة تحول هذه الجهود والمبادرات الايجابية إلى واقع ملموس يعنى بعقد هذه الملتقيات بشكل دوري ودائم، هذه المبادرة التي يحسب لفخامته اثناء  فترة رئاسته للجمهورية العراقية يستحق ان يثمن عاليا، إذا انها  تؤطر الجهود المباركة و تهييء الأرضية لمزيد من التفاهمات وتقارب الرؤى حول القضايا المصيرية الهامة للشعبين الكردي والعربي.  وهي بمثابة بذرة طيبة يستلهم وينبت منها المزيد من سنابل  المشاريع الثقافية الكبيرة على مستوى العراق بين  جميع مكوناته كرديا وعربا وتركمانا وآشوريين .بل و بين الامم الكبيرة على مستوى المنطقة من العرب والترك والفرس والكرد ايضا.   فالمبادرات الخلاقة الخيرة تستحق التثمين  والتطوير بغية  خدمة الشعوب الأصیلة  في الشرق الاوسط حتى داخل الكيانات الحديثة ومد اواصر التواصل بينهم ، ونحن كأمة  كردية  نعد رافدا أصيلا من روافد حضارة منطقة الشرق الاوسط  لما أسهمنا وأسهم علمائنا في تطوير وتقدم الحضارة الإسلامية والإنسانية .
ونتمنى من المؤسسات و الفعاليات السياسية الكردية منها و العربية وأيضا من المثقفين العراقيين من كافة الأطياف ، المشاركة الفاعلة في الملتقيات القادمة من اجل ان نجعل الحوار الثر و العميق خيارنا الأمثل والأول  لحل الخلافات  التي تطرأ  على الساحة العراقية وأن نؤكد فعلا وليس قولا ان اختلاف الامة رحمة و لايفسد لود التعايش البناء قضية.

و اني أرى ان ما يعزز الشراكة الوطنية بمعناه الواسع ليس فقط التفاوض السياسي المؤقت أو التكتيكي بين الاطر السياسية المتصارعة على المصالح الآنية أو حتى على الاستحقاقات الدستورية والديمقراطية رغم أهميتها وأحقيتها لديمومة العملية السياسية ، بل نحن نحتاج الى التحاور البناء والعميق الذي له الاولوية الوطنية والحضارية وتسهم في ديمومة التواصل بل وتوفر قاعدة متينة لأي تفاوض سياسي مطلوب من اجل تعزيز العملية السياسية. وقبل حوار السياسة و مشتركات المصالح نحن بحاجة الى حوار الثقافة و الفكر  وتنشيط المخيلة الابداعية. و المثقفون والاكاديميون من الكرد والعرب مدعون قبل غيرهم لهذه المهمة.
اقرأ المزيد
للتواصل الثقافي العربي الكردي أهمية كبيرة في ترسيخ التعايش وتعزيز التفاهم بين الشعبين وزيادة فهم كل طرف لثقافة الآخر، مما يؤدي إلى تقليل الأحكام المسبقة وتعزيز الاحترام المتبادل و السلم الاجتماعي،فالفهم المتبادل والتواصل الثقافي يساعدان في التقارب الرصين وتهدئة التوترات العرقية والنزاعات،مما يساهم في بناء مجتمع أكثر سلامًا واستقرارًا وايضا يساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية لكل من الشعبين، مع تعزيز الشعور بالانتماء إلى مجتمع أوسع وبناء جيل جديد أكثر وعيًا بالتنوع الثقافي وأهمية التعايش السلمي.

من خلال التعاون والتبادل الثقافي بامكان الشعبين أن يتحدا لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب، الفقر، والتغيرات السياسية والاقتصادية وارساء المساواة والحكم الرشيد اضافة الى التصدي للمخاطر التي تهدد النظام الديمقراطي .

من الركائز التي نستند عليها في حتمية نجاح جهود التواصل الثفافي ان العلاقات العربية الكردية تتميز بالعديد من المشتركات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تعزز من التعايش والتعاون بين الشعبين ليس في العراق بل في المنطقة من حيث تاريخ مشترك من التفاعل الاجتماعي والسياسي واللغوي والعيش معا في المنطقة على مر العصور وهما يواجهان العديد من القضايا المشتركة في المنطقة، مثل التحديات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية والحكم الاستبدادي .

اضافة الى المشتركات الدينية والفنية والقيم الاجتماعية فان التحديات البيئية والجغرافية تتطلب تعاونا مشتركا بين العرب والكرد لإيجاد حلول مستدامة والتواصل الثقافي بمثابة جسر رصين لهذه المهمة المصيرية.

لقد اثبتت الحقائق والوقائع ان الشعب الكردي لم يكن منفتحا على الثقافة العربية فقط بل ساهم بقوة في بناء هذه الثقافة العريقة ولمعت أسماء مفكرين وشعراء وفنانين ومؤرخين كرد في الثقافة العربية والتاريخ شهد الكثير من الشراكات الثقافية تلك، وأبرز لنا جهود الكثير من المثقفين الكرد الذين أسهموا في آداب وعلوم اللغة العربية، وفي مختلف الفنون وبالتالي فان هذا التفاعل الثقافي يعبّر بشكل أكيد عن حسن التعايش ما بين الشعبين وتوفير أجواء إيجابية للتفاهم وتطوير المشاريع المشتركة وتبادل المعارف والعلوم.

انطلاقا من هذه الحقائق جاءت جهود فخامة الرئيس العراقي د.عبداللطيف رشيد بتأسيس المركز الثقافي العربي والكردي كضرورة وطنية ملحة من أجل رفد المجتمع والنهوض به بأواصر توحد الكلمة وتعزز خطوات ترسيخ الوحدة من خلال توحيد الافكار والتفاهم وقبول الاخر بهدف فهم تاريخ وحضارة الشعبين العربي والكردي بشكل أفضل عبر الأنشطة والمشاريع الثقافية المشتركة والترجمة المتبادلة للكتب، وتسهيل التعاون والحوار بين النخب الثقافية والاجتماعية والأكاديمية والمهنية مع خلق فرص مناسبة لتعايش وتفاعل الثقافة المتبادلة.
اقرأ المزيد

هذا المقال بقلم شاناز إبراهيم أحمد، السيدة الأولى لجمهورية العراق، مدافعة عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ومؤسِسة أقدم جمعية خيرية للأطفال في كردستان عام 1991م. 

 نعلم جميعاً أن مكونات المجتمع كثيرة ومتنوعة، لكن الحقيقة هي أنه في كل زمان ومكان الأسرة هي النواة الأساسية لبناء المجتمع والمدرسة الأولى في بناء شخصية الطفل وغرس القيم والسلوك فيه.

في العراق، نتحدث كثيرا عن العمل على تمكين المرأة ونشيد بدور المرأة العراقية في المجتمع وقوتها وقدرتها على تحمل المصاعب ونسمي نساء العراق الناجيات اللواتي يمكنهن التكيف مع الحرب والسلام. وندرك بأن الجنة تحت اقدام الامهات ونتذكر عددا لا يحصى من النساء اللواتي ترملن في سلسلة الحروب التي ابتلي بها البلد، وكيف أصبحن المعيلات الوحيدات للأسرة، وربين أطفالهن بمفردهن في ظل الظروف الصعبة.

ونتكلم أيضا عن حقوق الطفل واهمية اقرار قانون حماية الطفل، لأننا على يقين بإن أطفالنا هم مستقبلنا. وفي حزيران 1994 صادق العراق على اتفاقية حقوق الطفل، وقد أحرز تقدما في مجال حقوق الاطفال منذ ذلك الحين رغم سنوات النزاع وعدم الاستقرار في البلاد، فضلاً عن العمل على إصلاح قوانين حقوق الطفل وحمايته بحيث تتماشى مع المعايير الدولية.

رغم ذلك، يذهلني بانه تجري الان بعض المساعي الى تعديل المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية لعام 1959، حيث يلغي تعديل بعض الفقرات من هذا القانون حق المرأة في حضانة أطفالها وتقوض في الواقع حقوق المرأة ككل وكل ما اكتسبناه خلال عقود من النضال.

فقد جرت خلال السنوات السابقة محاولات لتعديل هذا القانون لكن الشعب العراقي رفض ذلك رفضا قاطعا، حيث تمنح المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 الأم حق الحضانة حتى يبلغ المحضون 15 عاماً وبمجرد أن يبلغ 15 عاما، يمكنه اختيار أحد الوالدين للعيش معه. بينما يمنح التعديل المقترح حق الحضانة للأم حتى يبلغ المحضون السابعة من عمره، ثم تنتقل الحضانة إلى الأب وإذا توفي الأب، تنتقل الحضانة إلى الجد. كما يمنع حق الحضانة عن الأم في حال الزواج مرة أخرى. فاذا تزوجت الأم مرة أخرى وتوفي الأب والجد، يتم إرسال الطفل إلى دار الأيتام رغم أن الأم على قيد الحياة.

دعونا ننظر فيما هو على المحك. في حالة تمرير هذه التعديلات، سيبقى عدد لا يحصى من النساء في علاقات زوجية مسيئة من أجل البقاء مع أطفالهن. فأين حق الطفل في العيش في بيئة صحية وسليمة؟

إن حضانة الأطفال مسألة حساسة، لا سيما في العراق المتعدد الأعراق والأديان وذلك يتطلب مراعاة التقاليد والقيم الثقافية لمختلف المجتمعات والفئات التي تشكل هذا البلد، واحترام حقوقهم ومطالبهم بأن يحظى ابناءهم برعايتهم. ومع ذلك يتوجب على كلا الوالدين التعاون وتحمل مسؤولية القرارات المتخذة فيما يصب في مصلحة أطفالهم، والابتعاد عن القرارات العاطفية التي تضر بمستقبل أطفالهم. وهذا هو جوهر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

لنكون حذرين بشأن تأطير هذا على أنه قضية جنسانية، أو قضية نسوية. حقوق المرأة وحقوق الطفل هي حقوق الإنسان. إذا تم انتهاك حقوق النساء والأطفال، وإذا تم تجريدهم من الحماية الدستورية، فمن سيكون التالي؟ إن انتزاع حقوق أي مواطن عراقي، سواء كان من النساء أو الأقليات الدينية أو المعوقين او غيرها، يتعارض مع مجتمعنا الديمقراطي التعددي المتسامح. علينا أن نحافظ على دستورنا من أجل الحفاظ على العراق كدولة ديمقراطية والتي نركز فيها على المداولة والحوار المتبادل الذي يساعد السلطات التشريعية على معرفة الرأي العام.

في عام 2012، أعلنت الأمم المتحدة الاول من حزيران هو اليوم العالمي للوالدين «لتقدير جميع الآباء في جميع أنحاء العالم لالتزامهم وتفانيهم تجاه ابناءهم وتضحياتهم مدى الحياة من أجل رعاية هذه العلاقة». وكان الهدف هو تحفيز الوعي بأهمية الأبوة والأمومة ودور كلا الوالدين في توفير الحماية للأطفال وتعزيز النمو الإيجابي للأسرة.

في هذه المناسبة، دعونا نكرم الآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم على التضحيات التي يقدمونها لأطفالهم، ودعونا لا ننسى المعاناة التي تجرعها الأمهات والآباء في العراق الذين ذاقوا الألم الذي لا يطاق لفقدان أبناءهم في الحروب، وغير ذلك من الجرائم الوحشية المرتكبة ضد الإنسانية، فضلا عن الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها الشعب العراقي، ولا ننسى المأساة الانسانية التي تجري في غزة فهل يحتفل الابوين في غزة هذا العام في عيدهم؟

وأخيرًا، دعونا نلقي نظرة على الصورة الكبيرة والتعديلات غير الضرورية على قوانيننا النموذجية التي من شأنها أن تكشف نسيج مجتمعنا.

اقرأ المزيد
ليس تفصيلاً عابراً حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومقتله مع آخرين، إن لم يكن لشيء، فلأنه يعطينا مرّة أخرى صورة واضحة عن كيفية إدارة إيران أزماتها، سواء على المستوى الإعلامي أو العملياتي، وعن وضع مؤسّساتها وأجهزتها، وإمكاناتها المدنية، والعسكرية. ورغم أن الراجح كون الطائرة تحطمت بفعل الأحوال الجوية السائدة، الا أن هذا لا يمنع وجود تساؤلات عديدة مرتبطة بالكفاءة والفعالية، مثل أن طائرة الرئيس فقط هي التي تأثرت بالعاصفة من بين ثلاث طائرات كان يضمها موكبه (ما يطرح أسئلة بشأن جهوزية طائرة الرئيس وإجراءات الأمن والسلامة فيها)، ومفارقة أن طائرات المرافقة التي يفترض بها أن تحمي الرئيس تركته من دون حماية ووصلت هي دونه إلى برّ الأمان.

ليس هناك شك في أن عملية استبدال رئيسي سوف تجري بسلاسة في أروقة النظام الايراني، لوجود آليات دستورية تحكمها، كما أن من غير المحتمل أن تكون لغيابه تداعيات آنية في وضع ايران الداخلي أو في سياساتها الخارجية والأمنية، خاصة في المنطقة العربية، فهذه السياسات لا يحدّدها، كما هو معروف، الرئيس أو وزير الخارجية، بل المرشد والحرس الثوري الذي يلعب دورا محوريا في وضعها وتنفيذها، في حين تترك للرئاسة والخارجية مهمّات قيادة العمل الدبلوماسي الذي لا يعكس دائما، ولا يتفق بالضرورة مع العمل الميداني، كما أوضح وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، في تسريباته الصوتية، وفي مذكّراته التي نشرها أخيراً، فالقول الفصل هنا للحرس الثوري، وتحديدا فيلق القدس.

المشكلة الكبرى التي يفرضها غياب رئيسي على النظام إيجاد بديل له داخل المعسكر المحافظ يحظى بثقة المرشد، والحرس الثوري، وفي الوقت نفسه، يتمتّع بدرجة من القبول على الساحة الدولية، في فترة تتّسم بعدم اليقين في تاريخ إيران والمنطقة. فعلى مدى سنوات، وخاصة منذ تقديمه مرشّحاً عن التيار المحافظ في انتخابات 2017 الرئاسية، أمام الرئيس السابق حسن روحاني، ثم توليته السلطة القضائية تعويضا له عن خسارته الرئاسيات، بدأت عملية تصعيد رئيسي واعداده للعب دور مركزي في المشهد السياسي الإيراني، حتى بات يُنظر اليه الخليفة المحتمل للمرشد البالغ 85 عاما. وهذا تحديدا هو جوهر المعضلة التي سيمثلها غياب رئيسي بالنسبة للمعسكر المحافظ، وللمرشد نفسه، الذي ما فتئ يتقلص من حوله الرجال الذين يثق بهم أو يأتمنهم على تركته منذ مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في مطار بغداد عام 2020. من غير الواضح أيضاً ما اذا كان غياب رئيسي سيؤدّي إلى بروز صراعات على خلافته داخل المعسكر المحافظ، وفيما إذا كان ذلك سيمثل أيضا فرصة للإصلاحيين لاستعادة المبادرة بعد أن جرى تهميشهم تماما خلال السنوات الماضية. هل نرى أيضا عودةً لتيار أحمد نجاد (القوميين الأصوليين)؟ وفي حال لم يحصل أيٌّ من هذا، هل يمتلك المرشد، الذي تلقى ضربة كبيرة بفقدان رئيسي، الوقت الكافي لإعداد خليفة له؟ وإذا تمكّن من ذلك، هل يمكن له اختيار خليفة يحقق الاجماع الذي حظي به رئيسي داخل المعسكر المحافظ؟

ليس فقط أن البحث عن بديل لرئيسي لن يكون مهمّة سهلة بحد ذاتها، بل أيضاً لأن هذه العملية تجري في ظروف إقليمية ودولية صعبة، ورغم أن ظروف إيران كانت دائما صعبة منذ 1979، لكن صعوبتها الآن مضاعفة، نظرا إلى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة، فهناك حرب غزّة المستمرّة منذ سبعة شهور، وكادت، لولا تدخّل إدارة بايدن، تفضي الى مواجهة مباشرة إيرانية -إسرائيلية، رغم أن احتمال اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله ما زال قائما. وهناك أزمة برنامج ايران النووي، والذي تتزايد المخاوف بشأنه في ضوء تصريحات مسؤولين إيرانيين عن احتمال إعادة النظر في عقيدتهم النووية، وماذا عن المفاوضات السرّية الجارية مع واشنطن، في مسقط، وغيرها من عواصم المنطقة؟ هل تتوقّف بانتظار أن تتعرّف واشنطن إلى شريكها الجديد في طهران؟ وهل تتزايد في الأثناء مخاطر وقوع خطأ في الحسابات بسبب وجود فراغ رئاسي في إيران، ورئيس "مشلول" في واشنطن بحملة إعادة انتخابه، فيما يقاتل نتنياهو في إسرائيل من أجل البقاء؟
اقرأ المزيد
سبقت أحداث 7 أكتوبر و"طوفان الأقصى" أربعة تطوّرات مهمة: أولها، أن الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاق أوسلو ترافقت مع انهيار النهج الذي راهن على حلّ وسط مع الحركة الصهيونية، عبر المفاوضات، وبنى آماله على وساطة أو تدخل أميركي ينقذ ما يُسمّى "حلّ الدولتين". تحطم ذلك النهج على صخرة العناد والتطرّف الإسرائيليين اللذين منعا أي لقاء تفاوضي، ولو شكلياً، خلال السنوات العشر الماضية، وأمعن في إلحاق الإهانات والتطاول على السلطة الفلسطينية.

وكان التطور الثاني انتصار تيار حسم الصراع في الحركة الصهيونية بتأثير صعود المستوطنين وحركة الاستيطان المتطرّفة في الضفة الغربية وسائر مناطق فلسطين وتحوّلها إلى قوة سياسية فاشية مؤثرة، بالتوازي مع صعود الفاشية الأصولية الدينية التي استولت على الأحزاب الدينية في إسرائيل.

أما التطور الثالث، فكان استخدام التطبيع مع المحيط العربي، وسيلة إسرائيلية – أميركية لتصفية القضية الفلسطينية بكل مكوّناتها، ولترويج إنشاء حلف عسكري إسرائيلي – عربي – أميركي، وجسّد مشروع اتفاقيات أبراهام الذي تبنّاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هذا التوجّه. وكان التطور الرابع، انغماس نتنياهو والمنظومة الإسرائيلية في أوهام التصفية إلى حدّ رفع نتنياهو، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطة إسرائيل الكبرى التي تضمّ الضفة الغربية وقطاع غزّة، والجولان المحتل، بالتوازي مع تولي الحكومة الفاشية مقاليد الأمور والبدء بنشاط استيطاني واسع وغير مسبوق في الضفة الغربية والقدس المحتلة.

وجاءت أحداث 7 أكتوبر ردّ فعل على كل هذه التطوّرات، لتعصف بها جميعاً، وتطيح بضربة واحدة أوهام الحركة الصهيونية، والحكومة الإسرائيلية العنصرية، بقرب تصفية قضية الشعب الفلسطيني برمّتها. وكان رد الفعل الإسرائيلي وحشياً بصورة جنونية، إذ شمل حتى اللحظة الانخراط في جرائم حرب متوازية، بما فيها الإبادة الجماعية، والعقوبات الجماعية إلى حد استخدام التجويع سلاح حرب، ومحاولة تنفيذ ثاني أكبر عملية تطهير عرقي، بعد النكبة، لسكان قطاع غزّة.


عنف ردّ الفعل الإسرائيلي وحدّته اللامتناهية، عبّرا ليس فقط عن مشاعر (ونيّات) الانتقام البهيمية لمنظومة، ومجتمع، لم يعتد منذ تبلوره عام 1948 تلقّي هزائم، ولا خوض معارك متكافئة، بل مثّل أيضاً انعكاساً لدرجة تغلغل العنصرية المطلقة في صفوفه، وعمق تبنّيه أيديولوجية نفي الآخرين، وخصوصاً الفلسطينيين، بشراً واحتقاره قدراتهم، وذكاءهم، وآمالهم ومشاعرهم، وحقوقهم. ولكن عنف ردّ الفعل أظهر كذلك مدى عمق الشعور بالإحباط والهزيمة لدى القيادة والمنظومة الإسرائيلية بسبب تبخّر سراب اقترابها من لحظة حسم الصراع استراتيجياً، بالتصفية، والتطبيع، والاستيطان المنفلت من عقاله.

وتفاقمت حدّة العناد والعنف الوحشي ضد المدنيين الفلسطينيين، مع كل تطوّر جديد أظهر عودة القضية الفلسطينية إلى تصدّر المشهد السياسي العالمي، والنهوض العارم لحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني التي لم يسبق لها مثيل منذ حركة مناهضة الحرب على فيتنام، والحملة العالمية لفرض العقوبات والمقاطعة على نظام الأبارتهايد والفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

ولعل أكثر ما آلم الحركة الصهيونية ووتّرها، انهيار الأسطورة التي صنعتها لنفسها، بأنها جبّارة كلية القدرة، وذات مناعة عصيّة على الكسر، منذ حرب حزيران (1967) أو ما سمّته انسجاماً مع الرواية التوراتية، "حرب الأيام الستة" عندما هزمت في أقلّ من أربعة أيام ثلاثة جيوش عربية، واحتلت مساحات من الأراضي تزيد على ضعفي مساحتها، وقدّمت إلى العالم الغربي الاستعماري نموذج "داود الصغير الماهر في مواجهة جوليات الجبار والفاشل".

هذه المرّة، وفي يوم طوفان الأقصى، كانت إسرائيل هي جوليات المكسور في مواجهة داود الفلسطيني. لكن تلك الأسطورة لم تكن الوحيدة التي انهارت في غضون الأشهر الماضية، بل انهارت أيضاً صورة إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في "الشرق البدائي المتخلّف"، وعقدة "أخلاقية الجيش الإسرائيلي" التي تبدو مواصلة نتنياهو التبجّح بها مدعاة للسخرية وهو يتلوها وجيشه يقتل ما لا يقلّ عن سبعة عشر ألف طفل وعشرة آلاف امرأة فلسطينية بوحشية جنوده، وأسلحته الأميركية.

ومثل التمزّق الداخلي في المجتمع الإسرائيلي، على وقع فشل المخطّطات السياسية والعسكرية، ومظاهر انشقاق مجموعات يهودية في أوروبا والولايات المتحدة، عن المشروع الصهيوني، دوافع قلق عميقة واستفزازاً خطيراً لسلوك المنظومة الإسرائيلية التي خرجت عن طَورها مراراً وتكراراً بتعميق الالتفاف حول الأفكار، والأقوال، والشعارات ذات المضمون الفاشي والعنصري الخطير، والانعزالية المرضية إلى درجة وصف بعض حلفائهم باللاسامية. ولكن الانهيارات لم تقتصر على المشهد الإسرائيلي بكل مكوّناته، بل تعدّتها إلى إشارات مؤلمة، ومخيّبة للآمال لضعف الموقف الرسمي العربي والإسلامي في مقابل التأييد العربي والإسلامي الشعبي الجارف، وبسبب استمرار بعض الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل رغم خرق الأخيرة القوانين الدولية، وتنكّرها لقرارات المحاكم الدولية.

شكّل قرار المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، كريم خان، توجيه الاتهام رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو والوزير غالانت بارتكاب جرائم الحرب، وقرارات محكمة العدل الدولية بالاشتباه بارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية انعطافاً مهماً جداً، وعزّزه أمر محكمة العدل الدولية بوقف الحرب الإسرائيلية على رفح وطلب إدخال المساعدات الإنسانية وضرورة سماح إسرائيل للجنة التحقيق في جريمة الإبادة الجماعية بالعمل، وهي جميعها أوامر سترفضها إسرائيل، لكنها صارت تمهد لشبكة عالمية واسعة لاستدعاء فرض العقوبات والمقاطعة على إسرائيل.

لم تكن إسرائيل، ومعها مؤيدوها في الولايات المتحدة، في حالة عزلة كما هي عليه اليوم، ولم ترَ في تاريخها هذا المستوى من التفتّت الداخلي، وضعف المناعة. ... إنها مرحلة انهيار الأسطورة وتبخّر الأوهام.
اقرأ المزيد

كان من المفترض أن اكتب هذا الاسبوع عن الانتخابات الايرانية، التي تضمنت انتخابات مجلس الشوری البرلمان في دورته الثانية عشرة، وانتخابات مجلس خبراء القيادة، لكني سأرجئ تناول هذه الانتخابات للاسبوع المقبل، لتناول نتائج هذه الانتخابات، التي تجری وسط تحديات داخلية وخارجية علی خلفية المشكلات الاقتصادية، التي تعانيها ايران جراء العقوبات، التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة وحاجة ايران الاستعداد لمواجهة نتائج الانتخابات الامريكية الرئاسية، التي تجری في نوفمبر القادم اضافة الی نسبة المشاركة، الذي يعتبر مؤشرا مهما لمدی دعم الناخب الايراني للنظام السياسي الذي يعيش في اطاره.

وفي موضوع لايبتعد كثيرا عن هذا الملف وتداعياته الداخلية والاقليمية تعيش منطقة الشرق الاوسط تطورات أمنية، يصفها البعض "مصيرية" علی خلفية النتائج، التي تتمخض عنها وتأثيرات هذه النتائج علی مجمل الأوضاع في المنطقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، التي ما زالت تشكل بؤرة التوتر في هذا الإقليم منذ عقود، دون أن تنجح القوی الكبری وتحديدا الولايات المتحدة من إيجاد، حل لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، الذي يرزخ تحت نير الاحتلال طوال العقود السبعة الاخيرة، بسبب الدعم اللامحدود الذي ابدته هذه القوی للكيان الاسرائيلي، والذي تجسد بشكل واضح بعد السابع من اكتوبر بشكل لا يقبل الشك والترديد، حيث تمسكت الإدارة الامريكية، ومعها بقية الدول الغربية بالرواية الإسرائيلية، التي رسمها نتنياهو سواء ما حدث في يوم السابع من اكتوبر، أو ما يحدث بعد ذلك اليوم من اجتياح اسرائيلي، ما زال مستمرا لقطاع غزة المحاصر، الذي لم يجد سكانه مكانا لدفن ضحاياهم، بعد أن وصلت اعداد القتلی الی حاجز 30 ألفا نصفهم من الأطفال.

ما حدث في السابع من اكتوبر له أسبابه المتعددة فمنها ما يرتبط بالاحتلال وعدوانيته علی الشعب الفلسطيني من حصار، وتنكيل وقتل وارهاب ومنه ما يرتبط بالعوامل والظروف الخارجية، التي تتعلق بآلية تعاطي الولايات المتحدة مع الاوضاع والملفات، التي تخص منطقة الشرق الأوسط ولربما المجتمع الدولي بأسره.

لقد قام الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالانسحاب من "الاتفاق النووي" عام 2018 استجابة للوعود، التي اعطاها لبعض الدول الاقليمية وللكيان الاسرائيلي لاسباب تتعلق بهذا الاتفاق لانه "سيیء" كما عبر عنه دون أن يعطي تفاصيل أكثر، لكن الواضح كان استياء رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من هذا الاتفاق، الذي لم يمر عبر النافذة الاسرائيلية لضمان "الأمن الاسرائيلي".

لا أريد الخوض في الاتفاق وبنوده وتاثيره في الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن انخراط دول مجلس الامن الدولي، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، اضافة إلی ألمانيا، والتي شكلت مجموعة 5+ 1 كانت من المناسبات النادرة في المجتمع الدولي، وفي تاريخ مجلس الامن الدولي لحل نزاع دولي اقليمي بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث استند هذا الحل علی إرادة لإعضاء مجلس الأمن، الذي يعني بإحلال السلام في المجتمع الدولي والذي احتضن الاتفاق مع ايران بالقرار 2231 في 20 يوليو تموز من العام 2015.

انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق لم يقضِ عليه، فحسب وانما وجه ضربة قوية لمجلس الامن الدولي وللمجموعة الدولية التي احتضنته في حل النزاعات الدولية وتسويتها بالوسائل السلمية؛ الأمر الذي زرع فايروسة النزاع داخل هذا المجلس، الذي وصل راهنا لهيكل عظمي يفتقد لقدرة معالجة المشكلات، التي تتعلق بالسلام في العالم خصوصا بعد نشوب الحرب الأوكرانية، حيث اصبحت روسيا وهي عضو دائم في هذا المجلس طرفا نديا للولايات المتحدة.

ويسود الاعتقاد أن منصة مجلس الامن الدولي زرع فيها داء التصدع منذ انسحاب الولايات المتحدة من "الاتفاق النووي"، واستمرت عندما نشبت الحرب الاوكرانية، وكان من تداعياتها ما حدث في السابع من اكتوبر في داخل الاراضي الفلسطينية ولازالت الخيارات مفتوحة بما في ذلك تداعيات الانتخابات الرئاسية الامريكية.

واذا ما فاز المرشح دونالد ترامب بالانتخابات الامريكية؛ هل أنه يريد إعادة الاعتبار لمجلس الامن الدولي أم أنه يريد إعادة صياغته، بشكل اخر كما يتحدث راهنا عن حلف شمال الاطلسي "الناتو"؟.

إن خطوة الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي اقدمت عليها الولايات المتحدة تتناقض مع المهمة الاساسية لمجلس الامن الدولي، وهي احلال السلام في المجتمع الدولي وهي بالتاكيد لم تجعل المنطقة ولا العالم اكثر امنا بل انها وضعت هذه المنطقة، التي تقف علی صفيح ساخن في مواجهة عديد التحديات والاحتمالات ؛ وهي بالتاكيد لن تكون كما كانت قبل السابع من اكتوبر مهما كانت نتائج الحرب التي يشنها الكيان الاسرائيلي ضد المدنيين في غزة.

ولا يمكن استبعاد هذه الخطوة عن ظروف نشوب الحرب الاوكرانية ولا عن امكانية تفاهم مجلس الامن الدولي لايقاف هذه الحرب التي وضعت الدول الاوربية امام تحد امني واقتصادي وسياسي، قل نظيره في التاريخ الحديث وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية.
إن الظروف التي يمر بها مجلس الامن الدولي نتيجة الهيمنة وعدم احترام هذه المؤسسة الدولية تنسجم مع التوقعات والنظريات التي تتحدث عن النظام العالمي الجديد، الذي يريد التغير الجذري في الفكر السياسي العالمي وتوازن القوى على الساحة الدولية لتعريف وفهم ومعالجة المشكلات، التي يواجهها العالم والتي يخرج حلها عن سعة الدول بمفردها ويتطلب تنسيقاً بين دول العالم.

اقرأ المزيد
1234