الموصل ليست، ولم تكن في يوم من الأيام وحيدة الهوية، طوال تاريخها كانت تعددية ومتنوعة الهوية وهنا يكمن سر قوتها الحضارية، كأحد الحواضر الإنسانية الكبرى طوال التاريخ. إنها مثل الموشور الذي يعكس كل ألوان الطيف العراقي الجميل والبهاء العراقي، حيث التعددية اللغوية والثقافية والدينية، ولهذا لاينبغي أن تخبو ألوان هذا الموشور ويختزل طيفه في لون واحد أرادت داعش والجماعات الإرهابية أن تسبغه على الموصل العريقة بعراقة مكوناتها.
ما ينبغي علينا أن نحافظ عليه ونتمسك به هو الدفاع عن هذه التعددية وعن ثقافة التعايش والتتسامح بين الموصليين أو الموصلاويين، حتى تكون الموصل بؤرة لاستقطاب القرار الوطني العراقي السليم والصحيح. القرار الذي يعكس مصالح جميع العراقيين على قدم المساواة، دون تفضيل أو تمايز بين مكون على حساب آخر.
الموصل هي مدينة الحضارات في تاريخ العراق واسمها يدل على موقعها التاريخ وهي حلقة الوصل بين الشرق والغرب وعراقة الموصل تدل على هويتها المتنوعة من الاطياف والاعراق وكانت موطناً وموطء قدم التجار في تاريخ العراق ولا يمكن لاي قوة ان تختزل اطياف الموصل تحت تاثير طيف واحد ، ويتحتم علينا الدفاع عن هذه التعددية والخفاظ على هذه الثقافات المتنوعة من اللغات والاديان والاعراق وكما تفضلتم بان الموصل هو عراق مصغر باضافة الايزيدين والكاكائيين والشبك
إنها الموصل، صرّة العراق وسرّ بقائه موحداً حتى الآن، ويتعين على كل من يتصدى للحديث باسم الموصل أن يرقى بأفكاره وسلوكه إلى تمثيل العراق التعددي والديمقراطي أفضل تمثيل. إنها الموصل التي تأبى أن تختزل في أية ثقافة أو هوية عنصرية أو طائفية. إنها الموصل التي تعني ماضي العراق ومستقبله ككل.
لهذا ينبغي على من يدعى تمثيل الموصل أن يكون عراقياً أصيلاً، أن يكون عربياً وكردياً وسريانياً في آن، مسلما ومسيحياً ويزيدياً، شيعياً وسنياً، كل ذلك في سلوك واحد وفي موقف دون انحياز سوى الانحياز للمواطنة العراقية القائمة على المساواة.
إن الموصل هو رهان وطنيتنا العراقية ولغزه العميق، ولهذا نحن نتصدى للمهام والتحديات التي تفرضها الحالة الانتخابية لمدينة فريدة في كل شيء مثل الموصل، ونحن نجد في ممثلينا الكفاءة السياسية والأخلاقية التي والجدارة التي تمنحهم هذا الدور بامتياز
من اجل هذا نهيب بجماهير شعبنا ان يحافظوا. على هذا الاطار والتعايش لكي تكتمل صورة الموصل المزركشة بكل الوانها
هذه الهجمة العنصرية ولمصلحة من؟
بعد مطالبة رئيس الجمهورية، الحكومة الاتحادية، بدفع رواتب الموظفين والمعلمين في الاقليم و حل المسائل العالقة بين بغداد وأربيل، انبرت أصوات نشاز من هنا وهناك، لتوجه اتهامات باطلة وزائفة الى رئيس الجمهورية ونشر معلومات مظللة عنه، في وقت يعلم القاصي والداني أن رئيس الجمهورية، ومن خلال اجتماعاته ولقاءاته حاول ولازال رأب الصدع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم للتوصل الى حل جذري لجميع المشاكل العالقة بينهما ودفع المستحقات المالية للاقليم و خاصة أن الموظفين في الاقليم، يعانون منذ أشهر من عدم صرف رواتبهم.
فهل من الجرم أن يدعو رئيس الجمهورية الى انهاء معاناة شريحة من المواطنين؟
ألم يمارس رئيس الجمهورية، الصلاحيات الممنوحة له وفق الدستور في الدفاع عن حقوق المواطنين؟
لماذا اذن هذه الهجمة العنصرية ولمصلحة من؟
فظهور هذه الاصوات النشاز، يكشف حقيقة واحدة، وهي أن أيتام النظام البائد والشوفينيين يتغلغلون في مفاصل الدولة ويتحكمون في مصائر الناس.
وطالما كانت أصوات هؤلاء العنصريين تنشر السموم وتدعو الى التفرقة العنصرية، فان حال البلد لن تكون أفضل مما عليه وان تأجيج النزعة العنصرية لا يخدم أحدا وسيجلب الويلات على البلاد و يؤدي الى تقسيم المجتمع و يشعل نار الفتنة الطائفية والقومية وسيجر البلاد الى نزاعات لا يحمد عقباها.
تأخر صرف الرواتب أصبح هاجسًا يؤرق حياة الموظفين في إقليم كوردستان، حيث يعتمد آلاف العائلات على هذه الرواتب لتلبية احتياجاتهم الأساسية. هذا التأخير تسبب في ضغوط اقتصادية ونفسية كبيرة، مما دفع الموظفين إلى تنظيم مظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم المالية. في خطوة جريئة، لجأ ١٣ مدرسًا إلى الإضراب عن الطعام لمدة أسبوعين في مدينة السليمانية، كتعبير عن يأسهم واستيائهم من سوء الإدارة والفساد المالي. وعلى الرغم من انتهاء الإضراب، إلا أنه يُعد سابقة في العمل السلمي ضد الفساد الإداري والمالي في الإقليم.
جذور المشكلة
لتفهم الواقع المرير الذي يعيشه الموظفون في إقليم كوردستان، لا بد من العودة إلى جذور المشكلة. فالحكومة المحلية قامت بتعيين مئات الآلاف في وظائف حقيقية ووهمية، ليس بناءً على الحاجة أو الكفاءة، بل لشراء الولاءات السياسية. ومع تضخم عدد الموظفين، أصبحت الحكومة عاجزة عن دفع رواتبهم، خاصة مع استمرار الفساد الإداري والمالي. وبدلاً من معالجة الأزمة من جذورها، لجأت السلطات إلى قطع الرواتب منذ عام ٢٠١٤ تحت حجج مختلفة، مثل ادعاءات نقص الأموال الواردة من الحكومة الاتحادية في بغداد.
الإضراب عن الطعام: خطوة سلمية جريئة
عندما بدأ ١٣ مدرسًا إضرابهم عن الطعام، اختاروا موقعًا استراتيجيًا بالقرب من مقر الأمم المتحدة في السليمانية، مما وفر لهم حماية نسبية وجذب انتباه الإعلام والمنظمات الدولية. هذه الخطوة الذكية أظهرت عملًا جماعيًا منظمًا وحققت صدى واسعًا بين الناشطين والمدافعين عن حقوق الموظفين. بعد ١٥ يومًا من الإضراب، وبضغط من منظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة، تم إنهاء الاعتصام. ولكن ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الخطوة الجريئة؟
1. إرادة المقاومة السلمية: أظهر الإضراب عن الطعام إرادة قوية لدى المواطنين في السليمانية لمواجهة انتهاك حقوقهم الأساسية، خاصة الحق في الحصول على رواتبهم بشكل منتظم. هذه الخطوة تؤكد أن المقاومة السلمية يمكن أن تكون أداة فعالة في ظل الظروف الصعبة، خاصة عندما تكون المطالب عادلة ومشروعة. الإضراب عن الطعام، كوسيلة احتجاج، يعكس مستوى عالٍ من الالتزام والتضحية، حيث يضع المحتجون صحتهم وحياتهم على المحك من أجل لفت الانتباه إلى قضيتهم.
2. دعم المجتمع المدني: تلقت الحركة دعمًا واسعًا من منظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة، مما يعكس نمو الوعي بأهمية العمل الجماعي في مواجهة الفساد وسوء الإدارة. هذا الدعم ليس فقط معنويًا، بل يمكن أن يتحول إلى ضغط حقيقي على صناع القرار إذا تم تنظيم الجهود بشكل أفضل. منظمات المجتمع المدني يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تنسيق الجهود وتوثيق الانتهاكات ونشر الوعي بين المواطنين.
3. تقاعس الحكومة: تجاهل الحكومة لمطالب الموظفين يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الأزمة. هذا الإهمال ليس فقط إداريًا، بل هو أيضًا أخلاقي، حيث يتم التلاعب بحياة المواطنين وكرامتهم. تقاعس الحكومة عن تقديم حلول جذرية يزيد من السخط والغضب بين صفوف العاملين، وقد يؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات في المستقبل إذا لم يتم التعامل مع الأزمة بجدية.
4. تسييس القضية: حاولت بعض الأطراف السياسية والإعلامية استغلال الحدث لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية، مما أضعف القضية وحولها من مشكلة إنسانية واجتماعية إلى ورقة سياسية. هذا التسييس يشتت الجهود ويضعف الوحدة بين المحتجين، مما يعطي الحكومة ذريعة لتجاهل المطالب. من المهم أن تبقى القضية مركزة على الجوانب الإنسانية والاجتماعية، بعيدًا عن الصراعات الحزبية.
5. الحاجة إلى التنسيق: على الرغم من النجاح النسبي للإضراب، كان بالإمكان تحقيق تأثير أكبر لو تم تنسيق الجهود بين عدة مدن ومجموعات. التنسيق بين المحتجين في مختلف المناطق يمكن أن يخلق ضغطًا أكبر على الحكومة، ويجعل من الصعب تجاهل المطالب. العمل الجماعي المنظم هو مفتاح النجاح في أي حركة احتجاجية.
الاقتراحات:
1. تشخيص الأسباب الجذرية: يجب إجراء تحليل دقيق للأسباب الكامنة وراء أزمة الرواتب، سواء كانت سوء إدارة، نقص السيولة المالية، أو الفساد المالي والإداري. هذا التشخيص يجب أن يكون شفافًا ومعلنًا للجميع، مع تحديد المسؤوليات بشكل واضح.
2. تعزيز الشفافية: يجب على الحكومة أن تتبنى سياسة الشفافية في إدارة الموارد المالية للإقليم. نشر تفاصيل الميزانية بشكل دوري وواضح يمكن أن يساعد في بناء الثقة بين المواطنين والحكومة. الشفافية هي الخطوة الأولى نحو محاربة الفساد.
3. إصلاحات هيكلية طويلة الأمد: يجب إجراء إصلاحات جذرية في النظام المالي والإداري للإقليم. هذا يشمل تقليل الاعتماد على الوظائف الوهمية، وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتنويع مصادر الدخل. الإصلاحات الهيكلية يجب أن تكون جزءًا من خطة استراتيجية طويلة الأمد لضمان استقرار الوضع المالي.
4. دعم دولي وفني: يمكن للعراق وإقليم كوردستان الاستفادة من تجارب دول أخرى واجهت أزمات مماثلة. طلب المساعدة من المنظمات الدولية، مثل منظمة العمل الدولية أو صندوق النقد الدولي، يمكن أن يوفر الدعم الفني والمالي اللازم. هذه المنظمات لديها خبرة في إدارة الأزمات المالية ويمكن أن تقدم حلولًا عملية بناءً على تجارب ناجحة في دول أخرى.
5. تنويع مصادر الدخل: يجب على الإقليم أن يعمل على تنويع مصادر دخله لتقليل الاعتماد على الموارد المحدودة، مثل النفط. هذا يشمل دعم القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة والسياحة، والتي يمكن أن توفر فرص عمل جديدة وتزيد من الإيرادات الحكومية.
6. حلول إنسانية عاجلة: يجب أن تتعامل الحكومة مع أزمة الرواتب كأولوية إنسانية واجتماعية. تقديم مساعدات مالية عاجلة للموظفين المتضررين، وإيجاد حلول مؤقتة مثل القروض الميسرة أو برامج الدعم الاجتماعي، يمكن أن يخفف من المعاناة حتى يتم إيجاد حلول دائمة.
7. تعزيز الحوار بين الحكومة والموظفين: يجب إنشاء قنوات اتصال فعالة بين الحكومة والموظفين لضمان أن تكون مطالبهم مسموعة ومعالجة بشكل عادل. الحوار المفتوح والمباشر يمكن أن يقلل من التوترات ويساعد في إيجاد حلول مشتركة.
الخلاصة
أزمة الرواتب في إقليم كوردستان ليست مجرد أزمة مالية، بل هي قضية إنسانية تمس كرامة الموظفين وحقوقهم الأساسية. يجب على الحكومة أن تتعامل مع هذه الأزمة بحكمة وشفافية، مع التركيز على الحلول العاجلة والطويلة الأمد. الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي نجحت في تجاوز أزمات مماثلة يمكن أن تكون طريقًا للخروج من هذا المأزق. فقط من خلال التعامل الجاد والمسؤول يمكن استعادة الثقة بين الموظفين والحكومة، وتجنب المزيد من التصعيد والاضطرابات.
الاستعراضات الإعلامية التي قدمها بعض النواب المنسيين ضد التحرك القانوني لرئاسة الجمهورية لحماية حقوق موظفي إقليم كردستان، هي استعراضات خائبة وفاشلة هدفها التملق لرئيس مجلس الوزراء والعودة الى الأضواء لأهداف انتخابية، بعدما فشل هؤلاء النواب في تقديم أي شيء لجمهورهم ومحافظاتهم.
بحسب الدستور والأعراف السياسية، يمثل عضو مجلس النواب العراقيين جميعا، أينما كانوا ومهما كانت هوياتهم او توجهاتهم، ولذلك كان الاجدر بالنواب الذين يفتعلون الغضب والدفاع عن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ان يقوموا بواجبهم الدستوري والسياسي والإنساني بالاقدام على مطالبة السوداني ووزيرة المالية بعدم استغلال رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم في المناورات السياسية والانتخابية، فهذه الرواتب هي حق دستوري وايصالها لمستحقيها ملزم بموجب قانون الموازنة، والراتب حق وليس منة ولا هدية ولا مجاملة يقدمها السوداني من وقت لآخر بحسب مصالحه.
النواب الذين حاولوا التملق للسوداني مشهورون بعدوانيتهم وممارساتهم الابتزازية وتقلبهم بين القوائم وتلونهم في الدفاع عن الزعامات بحسب مصالحهم واستغلالهم للخلافات السياسية في اشعال الفتنة بين مكونات الشعب العراقي وهم مرفوضون شعبيا، ولذلك فإن الفشل والفضيحة سيكون مصير محاولتهم لاستغلال الشكوى القضائية التي تقدم بها رئيس الجمهورية للتغطية على فشل السوداني في تقديم الخدمات للمواطنين في مختلف انحاء العراق وعدم صرف التخصيصات المالية للمحافظات والمستحقة بموجب قانون الموازنة مما أدى الى شلل المحافظين وتعطيل المشاريع الخدمية.
أراد النواب المتملقون تقديم خدمة للسوداني لكنهم في الحقيقة فضحوه واظهروه ضعيفا متخبطا، لأنهم بحكم عدوانيتهم، اختاروا مبررات غبية للدفاع عن السوداني ووزيرة المالية، إذ يتحدثون مرة عن مستحقات مالية في ذمة شركات كردية ومرة أخرى يتحدثون عن عدم تسديد حكومة الإقليم للايرادات غير النفطية، وهي كلها حجج وذرائع مرفوضة ومردودة، فما هي علاقة الموظف او المتقاعد في الإقليم بهذه المستحقات؟ ولماذا يجوع ويتعرض للضائقة لأن الحكومة الاتحادية او الوزارات تفشل في استحصال أموالها من شركات أهلية؟! ولماذا لايعاقب او يلاحق السوداني ووزيرته طيف هذه الشركات بدلا من قطع رواتب الموظفين والمتقاعدين؟!.
أما الإيرادات المالية النفطية وغير النفطية للإقليم، فهي بذمة أصدقاء وحلفاء السوداني نفسه، من كبار الشخصيات المسؤولة عن إدارة إقليم كردستان، والتواصل واللقاءات والمجاملات مستمرة بينهم، فإذا كان هؤلاء المسؤولين قد استحوذوا على شيء من أموال الدولة مهما كان صغيرا فعلى السوداني محاسبتهم قانونيا مثلما يجب ان يحدث مع أي مسؤول في ذمته مال عام، الا اذا كان السوداني يخاف من مسؤولي الاقليم.
على النواب الذين يدعون حرصهم على أموال العراق، مساءلة السوداني ووزيرة المالية طيف سامي في البرلمان عن سبب تهاونهم وتساهلهم مع بعض الشركات التي بذمتها أموال للدولة كما يدعون، وعن سبب عدم اتخاذ إجراءات قانونية بحق المسؤولين عن عدم تسليم إيرادات الإقليم للحكومة وليس محاربة الموظفين والمتقاعدين في الإقليم بقطع رواتبهم، فهذه السياسات لا تنفع الدولة ولا تنفع المواطنين وتثير الفتنة بين مكونات العراق، لكن الشيء الجيد ان هؤلاء النواب العدوانيين اصبحوا مكشوفين للشعب الذي يسخر من مواقفهم المفتعلة واصواتهم الخائبة التي لم تقدم شيئا نافعا.
لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط ساحة للصراعات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث عانت شعوبها من تداعيات هذه النزاعات التي غالبًا ما تحكمها "قوانين القوة" بدلاً من "قوة القوانين". في هذا السياق، استخدم الأمير حسن بن طلال في إحدى مقابلاته التلفزيونية عبارة "قوة الحق أم حق القوة" لوصف الوضع في الشرق الأوسط، وهي عبارة تعكس بعمق واقع القضية الكوردية، التي ظلت لعقود طويلة بين مطرقة الأنظمة القمعية وسندان الصراعات الداخلية. فما الذي يمكن أن يتعلمه الكورد من هذا التناقض بين "قوة الحق" و"حق القوة"؟ وكيف يمكنهم توظيف هذه المبادئ في نضالهم من أجل مستقبل أفضل؟
الکورد و"قوة الحق": نضال مشروع يتجاوز الجغرافيا"
يشير مفهوم "قوة الحق" إلى الإيمان بأن العدالة والحقيقة تحملان قوة ذاتية للتغيير، حتى في مواجهة التحديات والعقبات. تستمد هذه القوة مشروعيتها من المصداقية والأخلاق، ومن القدرة على إقناع الآخرين بالحجة والمنطق. هذه القوة لا تعتمد على العنف أو الإكراه، بل على الحقائق والمبادئ الراسخة. يستند النضال الكوردي، منذ بدايات القرن العشرين، إلى مبدأ "قوة الحق"، حيث سعت الحركات الكوردية إلى الاعتراف بحقوقها القومية والثقافية والسياسية.
أمثلة حية على قوة الحق تتجلى في نضال نيلسون مانديلا ضد نظام الفصل العنصري، حيث قاد شعبه نحو الحرية رغم سنوات السجن والمعاناة، منتصرًا بالعدالة على قوى الظلم. وقد جسد هذا المبدأ في تعامله مع القضية الفلسطينية والکوردية في ترکيا. ومثال آخر هو إسماعيل بشيكجي، عالم الاجتماع التركي، الذي دافع عن حقوق الكرد في تركيا رغم السجن والتضييق، مجسدًا بذلك التزامًا أخلاقيًا نابعًا من الإيمان بعدالة المطالب الکوردية.
مفهوم "حق القوة"
على النقيض، يرتكز "حق القوة" على فكرة أن القوة المادية — عسكرية كانت أو اقتصادية أو سياسية — تمنح الشرعية للهيمنة والسيطرة. هذا المبدأ يبرر استخدام القوة لفرض الإرادة، حتى إن تعارضت مع مبادئ العدالة. في الشرق الأوسط، تجلت "حق القوة" في الاستعمار الذي استغل موارد الشعوب، وفي الأنظمة الديكتاتورية التي قمعت حريات شعوبها، وفي تدخلات القوى الكبرى التي فرضت هيمنتها على الدول الضعيفة.
عانى الكورد، كغيرهم من شعوب المنطقة، من نتائج "حق القوة"؛ قُسموا بين دول متعددة (اتفاقية سايکس بيکو 1916) مرورا بحملة الانفال (1987-1989)، وانتهاءً بسياسات التهجير القسري في مناطق متعددة، كان "حق القوة" هو السلاح الذي استخدمته الأنظمة ضدهم.
لكن المشهد الكردي نفسه ليس بعيدًا عن تعقيدات "حق القوة"، إذ شهد انقسامات داخلية بين الأحزاب والجماعات، حيث سعت بعض الأطراف لفرض سيطرتها بوسائل القوة، متجاهلة مبدأ الوحدة على أساس العدل. في الوقت الذي ناضل فيه الكورد ضد أنظمة استبدادية، تحوّلت بعض القوى الكوردية إلى تبني ذات الممارسات التي عانوا منها، عبر فرض سياسات قمعية واحتكار السلطة، بل والتورط في تحالفات مع قوى استعمارية، مما أضعف موقفهم الأخلاقي أمام المجتمع الدولي. فكيف يمكن للكورد أن يدافعوا عن حقوقهم وفق "قوة الحق"، بينما يمارس بعضهم "حق القوة" داخليًا؟
نحو مستقبل مشرق عبر "قوة الحق"
رغم الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها بعض القيادات الكوردية في الماضي، الا أن الوقت قد حان لتصحيح المسار. يكمن الحل في التمسك بالمبادئ الأخلاقية في المطالبة بالحقوق، والدفاع عن المظلومين، ورفض الفساد والظلم، والعمل بشجاعة لتحقيق العدالة. أي لا بد للکورد من تبني استراتيجية قائمة على "قوة الحق" وليس "حق القوة"، لأن الشرعية الأخلاقية والسياسية أكثر استدامة من أي مكسب مؤقت يتحقق بالقوة. يمکن تحقيق ذلک من خلال:
تحقيق العدالة قد يكون طريقًا طويلًا، لكنه يستحق الجهد والصبر. "قوة الحق" ليست مجرد شعار، بل هي رؤية وإستراتيجية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في كوردستان، وبناء مجتمع أكثر استقرارًا وعدالة، وكسب احترام العالم.
الخاتمة
الصراع بين "قوة الحق" و"حق القوة" ليس مجرد جدل فلسفي، بل هو جوهر القضية الكوردية منذ زمن طويل. في كل مرة اختار فيها الكورد "قوة الحق"، اكتسبوا تعاطفًا ودعمًا دوليًا، وعندما وقعوا في فخ "حق القوة"، فقدوا الكثير من مكاسبهم. إن بناء كوردستان قوية ومستقرة لا يتحقق عبر الهيمنة والاقتتال والمنافسة الداخلية، بل من خلال إعلاء مبادئ العدل والحرية، وتعزيز روح الوحدة والتعاون، لأن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح أو السلطة، بل في عدالة القضية والمصداقية في الدفاع عنها.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم للكورد اليوم: هل نريد أن ننتصر بقوة الحق، أم نكرر أخطاء الماضي ونسقط في فخ حق القوة؟
عام 2003، وقفت مع النائبة البريطانية السابقة آن كلويد في مقبرة جماعية بالقرب من بغداد، المكان الذي سُرقت فيه ارواح الآلاف من الابرياء على يد النظام البائد للطاغية صدام حسين، ومن بين الجرائم صورة واحدة بقيت معلقة في ذاكرتي، شعر لطفلة، كان قد تم ربطه بشريط أحمر ومغطى بالطين. كانت هذه المقبرة بالقرب من منطقة المحاويل، والتي تعتبر واحدة من أكبر المقابر الجماعية في المنطقة، منذ سقوط نظام صدام، حيث تم العثور على رفات أكثر من 15 الف ضحية في تلك القبرة.
كان فتح المقبرة الجماعية بمثابة تذكير بالفظائع التي حدثت في العراق وحزن ذوي ضحايا الأنفال الذين كانوا يبحثون عن أخبار مؤنفليهم.
بعد عقدين من الزمن، وجدت نفسي مرة أخرى في صحراء تل الشيخية في محافظة المثنى جنوب العراق، امام مقبرة جماعية تضم رفات اكثر من 100 امرأة وطفل من الاكراد المؤنفلين. وعلى بعد أمتار قليلة تم اكتشاف ثلاث مقابر جماعية أخرى وتحديدها على أنها ربما تكون لضحايا عملية الانفال ايضا، وبهذا يكون هذا الموقع هو واحد من اكبر مناطق المقابر الجماعية، ان هذا الاكتشاف دليلا على وحشية حملات الإبادة الجماعية التي شنها النظام البائد، ودعوة لتكريم واحترام عائلات الشهداء وتضحياتهم.
تُظهر الفحوصات الجنائية الأولية للمقابر الجماعية عن صور مروعة للحظات الأخيرة من حياة الضحايا. وتشير الأدلة إلى أن الضحايا تعرضوا لإطلاق النار من الجانبين ومن الأعلى، وتبين لنا بقايا الرُفات أن الكبار قد بذلوا جهوداً يائسة بأجسادهم لحماية الأطفال من الرصاص.
إن عملية الأنفال هي واحدة من أحلك فترات التاريخ الحديث، حيث تشير المصادر إلى اعتقال 182 ألف كردي وآشوري وشبكي وتركماني وشيعي، وتدمير 4500 قرية، وفي غضون أشهر قليلة من عام 1988، شَنَ النظام البعثي حملة إبادة جماعية ضد الأكراد العراقيين بحجة اخماد ثورة المتمردين. الذين تم تهجيرهم وقتلهم، واليوم أصوات الضحايا تطالب بالاعتراف والعدالة، لكن الطريق إلى العدالة ليس سريعاً وسهلاً. فمنذ عام 2019، لم يتم فتح سوى مقبرتين جماعيتين كبيرتين، وهناك عدد لا يحصى من الضحايا لايزالون تحت الأرض.
إن عملية اختبار الحمض النووي وتحديد هويته ومطابقته هي عملية مفصلة ومعقدة وتتطلب خبرة دقيقة وجهدًا لا يعرف الكلل، لأول مرة سيتم التعرف على هوية ضحايا الأنفال بجهود الفريق الوطني المختص المتمثل بدائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء ودائرة الطب العدلي في وزارة الصحة بالتعاون مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين وعدد من الخبراء، ويشرف مكتبنا على العملية بشكل مباشر. حتى الآن تم جمع 1200 عينة دم من ذوي ضحايا الأنفال في كلار وجمجمال وكوية، من مجموع 1600 عائلة سجلت في العملية.
رغم هذه التحديات، فإن أولويتنا هي إعادة الرفات إلى عائلاتهم ودفنهم وتكريمهم بمراسم تليق بتضحياتهم، ومعرفة أن ضحايا الحرية لم ولن يُنسوا.
العراق ليس وحده في هذه القضية المروعة، فقد تم اكتشاف مقبرة جماعية مؤخرا بالقرب من دمشق في سوريا، تحتوي على رفات الآلاف من ضحايا نظام بشار الأسد، وكما هو الحال في العراق، تكافح سوريا الآن لتحديد هويات الضحايا، والبحث عن الأدلة، وتحقيق العدالة لذويهم.
ولكن هذه المهمة لاتخلو من العقبات، فقد أعاقت الاوضاع السياسية تقدم العراق، ولكن وكما وعدت أسر الضحايا، فإننا سنستمر في بذل الجهود، لايزال الطريق امامنا طويل. وعلينا الحفاظ على هذه الأماكن لتكون شاهداً وتحذيراً للأجيال القادمة من عواقب الظلم والقمع.
لقد تركت مذبحة الأنفال دروساً وعبراً تتردد أصداؤها خارج العراق. فالمقابر الجماعية انعكاساً لمعاناة الشعوب التي تعاني العنف والقمع والتي حولت الأنظمة الاستبدادية أراضيها إلى مقابر صامتة.
مسؤوليتنا المشتركة هي حفظ هذا التاريخ ومواصلة العمل على منع تكرار هذه الفظائع.
عندما وقفت في صحراء تل الشيخية، شعرت بآلام الضحايا وما عانوه. ان عائلاتهم تستحق ماهو اكثر من التعاطف انهم يستحقون العمل الجاد والفعلي فهذا العمل لايتعلق بالماضي فحسب، بل بالمستقبل أيضا.
كل من كان ضحية لهذه المقابر الجماعية هو دليل على ثمن الصمت والتقاعس، علينا أن نروي قصصهم وأن نخلد تضحياتهم إلى الأبد في ضمير الإنسانية، سنحافظ معاً على هذه الذكرى ونحقق العدالة ونبني مستقبلا لا يتشبث فيه الأبناء بأمهاتهم خوفا.
المصدر: مجلة نيوزويك
مرة أخرى يعود التذبذب في سعر صرف الدولار الأمريكي الى الواجهة وهذه المرة بفعل المضاربين وتجار الأزمات والحروب مستغلين الحرب التي يشنها حاليا الكيان الصهيوني على شعبنا العربي في فلسطين ولبنان والأوضاع الأمنية المربكة جراء ذلك.
حيث يتراوح مستواه حاليا فوق الـ 1500 دينار في السوق السوداء،
وأن استمرار هذه الإشكالية بين فترة وأخرى يمكن أن نعزيه الى عدة أسباب، منها قبل 2023 عدم السيطرة على تنظيم تمويل التجارة الخارجية وعدم وجود سياسة تجارية واضحة، وتشابك السياسات وعدم وجود منهاج استيرادي سنوي للقطاع الخاص بالكميات وبالمبالغ، وإنما الاستيرادات مفتوحة وبدون ضوابط للتحويلات الخارجية".
إضافة الى "عدم السيطرة على الاستيرادات غير المشروعة والمنافذ الحدودية غير الرسمية، فضلاً عن وجود نحو 1200 محل صرافة منتشرة في جميع المحافظات غير مجازة من البنك المركزي تتعامل بالدولار النقدي ونحو 12000 منفذ لصرف رواتب المتقاعدين والرعاية الاجتماعية تتعامل بتداوله بسعر الصرف في السوق السوداء".
وأن "أغلب التجار الذين يحصلون على الدولار الأمريكي بالسعر الرسمي من البنك المركزي، لكنهم يبيعون بضاعتهم في السوق المحلية بسعر السوق السوداء، وكذلك عدم وجود بنوك مراسلة عالمية سابقاً تتعامل مع مصارفنا ولم يتم فتح حسابات لها بعملات الدول التي لدينا تبادل تجاري واسع معها كالصين والهند وتركيا والإمارات".
كذلك "عدم التزام التجار وبعض المصارف بالمعايير المصرفية الدولية التي تضمن وصول الدولار الى المستفيد النهائي، لذلك انصبت جهود البنك المركزي والحكومة في 2023 على رسم استراتيجية للإصلاح المالي والمصرفي لغرض السيطرة على استقرار سعر الصرف".
"من بين محاور هذه الاستراتيجية، تنظيم تمويل التجارة الخارجية وبناء تفاهمات دولية جديدة مع البنوك العالمية وفتح حسابات لمصارفنا في البنوك المراسلة حيث تم فتح أكثر من 30 حساباً لدى البنوك الأمريكية والصينية والاماراتية والتركية والهندية، ونتوقع خلال الشهرين المقبلين أن يرتفع عدد المصارف العراقية التي لديها حسابات في البنوك المراسلة بسبب الجهود التي يبذلها البنك المركزي في تقديم العون والمساعدة لها والتنسيق مع البنوك المراسلة المستهدفة.
و"فتح التعامل مع العملات المحلية كاليوان الصيني واليورو الأوروبي والدرهم الاماراتي والليرة التركية والروبية الهندية في التحويلات الخارجية بهدف تقليل الطلب على الدولار الأمريكي، إضافة الى اتخاذ الإجراءات بالتعاون بين البنك المركزي والحكومة بالتوسع الشامل في التحول الرقمي من الاقتصاد النقدي الى الاقتصاد الرقمي وتحفيز استخدام أدوات الدفع الإلكتروني وتهدف هذه الاستراتيجية "الضغط على المضاربين المتعاملين بالدولار النقدي في السوق السوداء والحد من نشاطاتهم المضرة بالاقتصاد الوطني، وهو ما تمت مناقشته في اجتماعات رئيس مجلس الوزراء الاقتصادية المتخصصة وبحضور وزير المالية ومحافظ البنك المركزي والمستشارين ومدراء المصارف الحكومية والأهلية.
ولا بد من الإشارة هنا الى أن "توفر احتياطيات نقدية أجنبية للبنك المركزي تتجاوز 100مليار دولار واحتياطي من الذهب يتجاوز 143طناً، يؤكد أن الدينار العراقي سيتعافى وأنه قوي، كون العملة المحلية في التداول مغطاة بالاحتياطي النقدي الأجنبي، اضافة الى أن الإجراءات التنفيذية الاخرى بدعم وتحفيز المنتج المحلي وضبط الرقابة على السوق النقدية والسوق التجارية من شأنها السيطرة على سعر الصرف كما أتوقع خلال الفترة القريبة القادمة".
هذا المقال بقلم شاناز إبراهيم أحمد، السيدة الأولى لجمهورية العراق، مدافعة عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ومؤسِسة أقدم جمعية خيرية للأطفال في كردستان عام 1991م.
نعلم جميعاً أن مكونات المجتمع كثيرة ومتنوعة، لكن الحقيقة هي أنه في كل زمان ومكان الأسرة هي النواة الأساسية لبناء المجتمع والمدرسة الأولى في بناء شخصية الطفل وغرس القيم والسلوك فيه.
في العراق، نتحدث كثيرا عن العمل على تمكين المرأة ونشيد بدور المرأة العراقية في المجتمع وقوتها وقدرتها على تحمل المصاعب ونسمي نساء العراق الناجيات اللواتي يمكنهن التكيف مع الحرب والسلام. وندرك بأن الجنة تحت اقدام الامهات ونتذكر عددا لا يحصى من النساء اللواتي ترملن في سلسلة الحروب التي ابتلي بها البلد، وكيف أصبحن المعيلات الوحيدات للأسرة، وربين أطفالهن بمفردهن في ظل الظروف الصعبة.
ونتكلم أيضا عن حقوق الطفل واهمية اقرار قانون حماية الطفل، لأننا على يقين بإن أطفالنا هم مستقبلنا. وفي حزيران 1994 صادق العراق على اتفاقية حقوق الطفل، وقد أحرز تقدما في مجال حقوق الاطفال منذ ذلك الحين رغم سنوات النزاع وعدم الاستقرار في البلاد، فضلاً عن العمل على إصلاح قوانين حقوق الطفل وحمايته بحيث تتماشى مع المعايير الدولية.
رغم ذلك، يذهلني بانه تجري الان بعض المساعي الى تعديل المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية لعام 1959، حيث يلغي تعديل بعض الفقرات من هذا القانون حق المرأة في حضانة أطفالها وتقوض في الواقع حقوق المرأة ككل وكل ما اكتسبناه خلال عقود من النضال.
فقد جرت خلال السنوات السابقة محاولات لتعديل هذا القانون لكن الشعب العراقي رفض ذلك رفضا قاطعا، حيث تمنح المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 الأم حق الحضانة حتى يبلغ المحضون 15 عاماً وبمجرد أن يبلغ 15 عاما، يمكنه اختيار أحد الوالدين للعيش معه. بينما يمنح التعديل المقترح حق الحضانة للأم حتى يبلغ المحضون السابعة من عمره، ثم تنتقل الحضانة إلى الأب وإذا توفي الأب، تنتقل الحضانة إلى الجد. كما يمنع حق الحضانة عن الأم في حال الزواج مرة أخرى. فاذا تزوجت الأم مرة أخرى وتوفي الأب والجد، يتم إرسال الطفل إلى دار الأيتام رغم أن الأم على قيد الحياة.
دعونا ننظر فيما هو على المحك. في حالة تمرير هذه التعديلات، سيبقى عدد لا يحصى من النساء في علاقات زوجية مسيئة من أجل البقاء مع أطفالهن. فأين حق الطفل في العيش في بيئة صحية وسليمة؟
إن حضانة الأطفال مسألة حساسة، لا سيما في العراق المتعدد الأعراق والأديان وذلك يتطلب مراعاة التقاليد والقيم الثقافية لمختلف المجتمعات والفئات التي تشكل هذا البلد، واحترام حقوقهم ومطالبهم بأن يحظى ابناءهم برعايتهم. ومع ذلك يتوجب على كلا الوالدين التعاون وتحمل مسؤولية القرارات المتخذة فيما يصب في مصلحة أطفالهم، والابتعاد عن القرارات العاطفية التي تضر بمستقبل أطفالهم. وهذا هو جوهر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
لنكون حذرين بشأن تأطير هذا على أنه قضية جنسانية، أو قضية نسوية. حقوق المرأة وحقوق الطفل هي حقوق الإنسان. إذا تم انتهاك حقوق النساء والأطفال، وإذا تم تجريدهم من الحماية الدستورية، فمن سيكون التالي؟ إن انتزاع حقوق أي مواطن عراقي، سواء كان من النساء أو الأقليات الدينية أو المعوقين او غيرها، يتعارض مع مجتمعنا الديمقراطي التعددي المتسامح. علينا أن نحافظ على دستورنا من أجل الحفاظ على العراق كدولة ديمقراطية والتي نركز فيها على المداولة والحوار المتبادل الذي يساعد السلطات التشريعية على معرفة الرأي العام.
في عام 2012، أعلنت الأمم المتحدة الاول من حزيران هو اليوم العالمي للوالدين «لتقدير جميع الآباء في جميع أنحاء العالم لالتزامهم وتفانيهم تجاه ابناءهم وتضحياتهم مدى الحياة من أجل رعاية هذه العلاقة». وكان الهدف هو تحفيز الوعي بأهمية الأبوة والأمومة ودور كلا الوالدين في توفير الحماية للأطفال وتعزيز النمو الإيجابي للأسرة.
في هذه المناسبة، دعونا نكرم الآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم على التضحيات التي يقدمونها لأطفالهم، ودعونا لا ننسى المعاناة التي تجرعها الأمهات والآباء في العراق الذين ذاقوا الألم الذي لا يطاق لفقدان أبناءهم في الحروب، وغير ذلك من الجرائم الوحشية المرتكبة ضد الإنسانية، فضلا عن الانتكاسات الكبيرة التي تعرض لها الشعب العراقي، ولا ننسى المأساة الانسانية التي تجري في غزة فهل يحتفل الابوين في غزة هذا العام في عيدهم؟
وأخيرًا، دعونا نلقي نظرة على الصورة الكبيرة والتعديلات غير الضرورية على قوانيننا النموذجية التي من شأنها أن تكشف نسيج مجتمعنا.
كان من المفترض أن اكتب هذا الاسبوع عن الانتخابات الايرانية، التي تضمنت انتخابات مجلس الشوری البرلمان في دورته الثانية عشرة، وانتخابات مجلس خبراء القيادة، لكني سأرجئ تناول هذه الانتخابات للاسبوع المقبل، لتناول نتائج هذه الانتخابات، التي تجری وسط تحديات داخلية وخارجية علی خلفية المشكلات الاقتصادية، التي تعانيها ايران جراء العقوبات، التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة وحاجة ايران الاستعداد لمواجهة نتائج الانتخابات الامريكية الرئاسية، التي تجری في نوفمبر القادم اضافة الی نسبة المشاركة، الذي يعتبر مؤشرا مهما لمدی دعم الناخب الايراني للنظام السياسي الذي يعيش في اطاره.
وفي موضوع لايبتعد كثيرا عن هذا الملف وتداعياته الداخلية والاقليمية تعيش منطقة الشرق الاوسط تطورات أمنية، يصفها البعض "مصيرية" علی خلفية النتائج، التي تتمخض عنها وتأثيرات هذه النتائج علی مجمل الأوضاع في المنطقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، التي ما زالت تشكل بؤرة التوتر في هذا الإقليم منذ عقود، دون أن تنجح القوی الكبری وتحديدا الولايات المتحدة من إيجاد، حل لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، الذي يرزخ تحت نير الاحتلال طوال العقود السبعة الاخيرة، بسبب الدعم اللامحدود الذي ابدته هذه القوی للكيان الاسرائيلي، والذي تجسد بشكل واضح بعد السابع من اكتوبر بشكل لا يقبل الشك والترديد، حيث تمسكت الإدارة الامريكية، ومعها بقية الدول الغربية بالرواية الإسرائيلية، التي رسمها نتنياهو سواء ما حدث في يوم السابع من اكتوبر، أو ما يحدث بعد ذلك اليوم من اجتياح اسرائيلي، ما زال مستمرا لقطاع غزة المحاصر، الذي لم يجد سكانه مكانا لدفن ضحاياهم، بعد أن وصلت اعداد القتلی الی حاجز 30 ألفا نصفهم من الأطفال.
ما حدث في السابع من اكتوبر له أسبابه المتعددة فمنها ما يرتبط بالاحتلال وعدوانيته علی الشعب الفلسطيني من حصار، وتنكيل وقتل وارهاب ومنه ما يرتبط بالعوامل والظروف الخارجية، التي تتعلق بآلية تعاطي الولايات المتحدة مع الاوضاع والملفات، التي تخص منطقة الشرق الأوسط ولربما المجتمع الدولي بأسره.
لقد قام الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالانسحاب من "الاتفاق النووي" عام 2018 استجابة للوعود، التي اعطاها لبعض الدول الاقليمية وللكيان الاسرائيلي لاسباب تتعلق بهذا الاتفاق لانه "سيیء" كما عبر عنه دون أن يعطي تفاصيل أكثر، لكن الواضح كان استياء رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من هذا الاتفاق، الذي لم يمر عبر النافذة الاسرائيلية لضمان "الأمن الاسرائيلي".
لا أريد الخوض في الاتفاق وبنوده وتاثيره في الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن انخراط دول مجلس الامن الدولي، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، اضافة إلی ألمانيا، والتي شكلت مجموعة 5+ 1 كانت من المناسبات النادرة في المجتمع الدولي، وفي تاريخ مجلس الامن الدولي لحل نزاع دولي اقليمي بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث استند هذا الحل علی إرادة لإعضاء مجلس الأمن، الذي يعني بإحلال السلام في المجتمع الدولي والذي احتضن الاتفاق مع ايران بالقرار 2231 في 20 يوليو تموز من العام 2015.
انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق لم يقضِ عليه، فحسب وانما وجه ضربة قوية لمجلس الامن الدولي وللمجموعة الدولية التي احتضنته في حل النزاعات الدولية وتسويتها بالوسائل السلمية؛ الأمر الذي زرع فايروسة النزاع داخل هذا المجلس، الذي وصل راهنا لهيكل عظمي يفتقد لقدرة معالجة المشكلات، التي تتعلق بالسلام في العالم خصوصا بعد نشوب الحرب الأوكرانية، حيث اصبحت روسيا وهي عضو دائم في هذا المجلس طرفا نديا للولايات المتحدة.
ويسود الاعتقاد أن منصة مجلس الامن الدولي زرع فيها داء التصدع منذ انسحاب الولايات المتحدة من "الاتفاق النووي"، واستمرت عندما نشبت الحرب الاوكرانية، وكان من تداعياتها ما حدث في السابع من اكتوبر في داخل الاراضي الفلسطينية ولازالت الخيارات مفتوحة بما في ذلك تداعيات الانتخابات الرئاسية الامريكية.
واذا ما فاز المرشح دونالد ترامب بالانتخابات الامريكية؛ هل أنه يريد إعادة الاعتبار لمجلس الامن الدولي أم أنه يريد إعادة صياغته، بشكل اخر كما يتحدث راهنا عن حلف شمال الاطلسي "الناتو"؟.
إن خطوة الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي اقدمت عليها الولايات المتحدة تتناقض مع المهمة الاساسية لمجلس الامن الدولي، وهي احلال السلام في المجتمع الدولي وهي بالتاكيد لم تجعل المنطقة ولا العالم اكثر امنا بل انها وضعت هذه المنطقة، التي تقف علی صفيح ساخن في مواجهة عديد التحديات والاحتمالات ؛ وهي بالتاكيد لن تكون كما كانت قبل السابع من اكتوبر مهما كانت نتائج الحرب التي يشنها الكيان الاسرائيلي ضد المدنيين في غزة.
ولا يمكن استبعاد هذه الخطوة عن ظروف نشوب الحرب الاوكرانية ولا عن امكانية تفاهم مجلس الامن الدولي لايقاف هذه الحرب التي وضعت الدول الاوربية امام تحد امني واقتصادي وسياسي، قل نظيره في التاريخ الحديث وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية.
إن الظروف التي يمر بها مجلس الامن الدولي نتيجة الهيمنة وعدم احترام هذه المؤسسة الدولية تنسجم مع التوقعات والنظريات التي تتحدث عن النظام العالمي الجديد، الذي يريد التغير الجذري في الفكر السياسي العالمي وتوازن القوى على الساحة الدولية لتعريف وفهم ومعالجة المشكلات، التي يواجهها العالم والتي يخرج حلها عن سعة الدول بمفردها ويتطلب تنسيقاً بين دول العالم.