العراقيون يحيون المولد النبي بطقوس فريدة
٣ سبتمبر ٢٠٢٥
لعبت المؤسسات الحكومية والدينية دوراً محورياً في تنظيم هذه المناسبة، إذ أطلق ديوان الوقف السني حملةً واسعةً استعدادًا للذكرى، تضمنت جانبين متكاملين. الأول هو المظاهر الاحتفالية التي يمكن ملاحظتها في كل مكان، من تزيين الشوارع وتعليق اللوحات الضوئية الملونة والزينة في الأحياء والمناطق الرئيسية. أما الثاني، فهو الفعاليات الدينية والفكريّة والثقافية، التي تشمل إقامة المحاضرات والأمسيات والمجالس الدينية التي تُعنى بالإنشاد والمدائح النبوية، في أجواء تغمرها السكينة والإيمان.
وأوضح الناطق باسم الديوان، عبد الله النعيمي في تصريح صحفي، أن الاحتفال المركزي سيُقام مساء الخميس في ساحة جامع أبي حنيفة النعمان بمنطقة الأعظمية، بمشاركة وفود من علماء وممثلين عن الوقفين السني والشيعي، في دلالة على وحدة الصف والتآخي بين أبناء الشعب العراقي.
كما ستقام فعاليات موازية في جوامع تاريخية أخرى، مثل جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وجامع الشيخ معروف الكرخي، في تأكيد على أن الاحتفال ليس حكراً على منطقة بعينها، بحسب المتحدث.
أما على الصعيد الأمني، فقد دخلت خطة قيادة عمليات بغداد حيز التنفيذ. وأكد قائد العمليات، الفريق الركن وليد خليفة التميمي، جاهزية القوات الأمنية لتأمين الأجواء الآمنة للمواطنين، وضمان انسيابية حركة المرور في العاصمة، مشدداً على التنسيق الكامل مع الجهات الخدمية لتسهيل مشاركة الجميع في هذه المناسبة.
وفي وقت سابق، أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أن يوم الخميس سيكون عطلة رسمية في جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية، مما يتيح للعراقيين فرصة المشاركة الكاملة في الاحتفالات.
تقاليد شعبية فريدة
ما يميز احتفالات العراقيين بالمولد النبوي هو العادات والتقاليد الشعبية المتوارثة التي تضفي على المناسبة طابعاً خاصاً.
ففي هذا اليوم، تقوم العائلات بتحضير أنواع معينة من الطعام وتوزيعه على الجيران، في بادرة تعزز روابط المحبة والتكافل الاجتماعي.
من أشهر هذه الأطباق "الزردة"، وهي حلوى شعبية ترتبط بالفرح في الموروث العراقي. تتكون الزردة من الأرز والسكر وماء الورد والزعفران والهيل، ويمكن تزيينها بالقرفة والمكسرات. وسميت بهذا الاسم نسبة إلى اللون الأصفر في اللغة الفارسية، وهو لون الزعفران الذي يصبغ الحلوى بلونه الذهبي المميز.
تُعد أجواء الأعظمية خلال المولد النبوي فريدة من نوعها. فمنذ الصباح الباكر، تكتظ شوارع المدينة وأزقتها بالمشاة، وتتلاشى حركة السيارات تماماً. وتنتعش الأسواق والمحلات التجارية، وتتحول المنطقة إلى مهرجان شعبي كبير.
تبدأ الطقوس الاحتفالية عند غروب الشمس، حيث تقوم العائلات المحتفلة بإيقاد الشموع حول منازلها وأمامها، وتوزيع حلوى المولد التي يطلق عليها محلياً "زردة النبي". كما تستمر الاحتفالات والصلوات والمناقب النبوية إلى أذان صلاة الفجر، في ليلة تتزين فيها المدينة بالأنوار.
في الموروث البغدادي، كانت تُقام مجالس خاصة تسمى "المولود"، يحييها قراء ومداحون مشهورون. هذه الجلسات كانت تُقام في بيوت بعض العائلات أو في الجوامع، ويسودها جو من الفرح والسرور، تُقدم خلالها الأكلات التقليدية مثل (الزردة والحليب)، بالإضافة إلى العصائر والحلويات البغدادية مثل الزلابية والبقلاوة، بينما يرتدي الأطفال الملابس البيضاء، تعبيراً عن البراءة والفرح.
كما هذه الاحتفالات لا تقتصر على بغداد وحدها، بل تشمل محافظات أخرى مثل نينوى، والبصرة، وديالى، وكركوك، بالإضافة إلى مدن مثل الفلوجة وسامراء. وتتنوع الفعاليات في هذه المحافظات، لتشمل إقامة معارض فنية لذوي الاحتياجات الخاصة، وعروض إنشاد ديني، وقصائد شعرية، ومجالس ذكر تستحضر السيرة النبوية العطرة.
ويشار الى ان ذكرى المولد النبوي في العراق تكتسب أهمية خاصة، لكونها مناسبة تجمع بين مختلف الفئات والمكونات، وإن كان بعضهم يعتبرها مناسبة تعبر بشكل خاص عن الهوية السنية في البلاد، لدرجة أنها تحولت إلى ما يشبه "عيداً قومياً" للعرب السنة.
وبحسب باحثون، فإن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في العراق ليس مجرد ذكرى دينية عابرة، بل هو مناسبة سنوية تعيد إحياء قيم التسامح والرحمة، وتؤكد على أصالة التقاليد الشعبية التي توحد المجتمع. إنه يوم من الفرح، والتذكير، والاحتفاء بالسيرة العطرة، يجمع العراقيين على اختلاف مكوناتهم حول محبة الرسول (ص)، ويعكس التناغم الفريد بين الرسميات الدينية، والموروثات الاجتماعية، والأجواء الشعبية التي تميز العراق عن غيره.